الإنسان الأوّل والأفكار الفطريّة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإنسان الأوّل والأفكار الفطريّة, اليوم الجمعة 1 نوفمبر 2024 12:28 صباحاً

الإنسان الأوّل والأفكار الفطريّة

نشر بوساطة سوسن العتيبي في الرياض يوم 01 - 11 - 2024

2101817
لا يخفى ما في التراث الإنساني والإسلامي من رؤية تحاول أن تجرّد الإنسان من المجتمع والثقافة، وتتخيل حالة طبيعية نقيّة، لم يختلط فيها إنسان بأحد يوجه أفكاره، ليتوصل بمحض فكره إلى أفكار فطرية عميقة توجهه نحو اليقين، ك»حي بن يقظان» لابن الطفيل. غير أن هذه الفرضية منقوضة باكتشاف حالات لأطفال لم يتعلموا اللغة، ممن لم يعش حياة بين البشر (كالطفل الهندي ماوكلي)، أو ممن حبس وعزل عن المجتمع والكلام (كالطفلة الأميريكية جيني)، فلم يتمكنا من الانخراط في عالم البشر بعد محاولة تأنيسهما، فلا قدرة لهما على البيان والتبيّن؛ لضعف القدرة التواصلية واللغويّة. ليؤول الأمر للحاجة إلى «اللغة»، وشرط تعلّم اللغة المعلّم في مجتمع، فاللغة تجسيد لتواصلية المجتمع الذي تنشأ فيه، وهذه التواصليّة اشتباك معقد من أعراف تتخللها الأخلاق والعقائد، ففهم الأفعال تعضده اللغة، والتعبير عن الباطن لا بدّ له من لغة.
هذا المفارقة بين «فطرية الأفكار» و»ضرورة الموجّه» (المعلم-المجتمع)؛ لتعلم اللغة للتبيّن والإبانة؛ تذكّر بالقصة الحقيقية لأوّل إنسان «آدم» عليه السلام، الذي عُدم المجتمع لكنه لم يعدم اللغة، فضلاً من أعظم معلّم سبحانه؛ إذ حظي بهبة إلهية «وعلّم آدم الأسماء كلها»، فتعلّم اللغة والبيان، وهو تعليم خاص لم تدخل فيه الملائكة نظراً لسياق الآيات. وذكّر الإنسان بالمنّة الإلهية، رحمة به «علّمه البيان». والبيان لا يسند في العربية إلى جماد أو إلى ذي عجمة، فهو خصيصة إنسانية متميزة، كما تذكر عائشة بنت الشاطئ، ومما ذكرته: «إذا كان البيان في عمومه خاصاً بالإنسان الرشيد المميز الناطق المبين، فإنّ ارتباطه بمعجزة النبي العربي صلى الله عليه وسلم يتجه به إلى دلالة أخصّ بالعرب الذين اصطفى الله منهم نبي الإسلام، وكانوا أوّل من تلقى آيات معجزته، التي استُهلت بآية القراءة والعلم». والعرب أمّة أميّة نزل عليها أعظم مستوى بياني، يجاوز القدرة البشرية، فأقامت الدنيا ولم تقعد حتى اليوم، بفضل الله، وهذا شاهد آخر على قدرة اللغة للقيام بالفكر، ما دامت من عند معلّم عظيم -ولله المثل الأعلى-.
فالفرد الخالي من المعرفة، والمجتمع الخالي من أهم معرفة؛ حينما زوّدا بتعليم لغة حوت أعظم المعاني، قامت الدنيا، وعهد بالخلافة لأول إنسان، ولآخر أمّة. والجمع بين «فطرية الأفكار» و»بيانية القرآن»؛ يجعلنا نتلمس حدود البحث، في التعرّف على الإنسان المهيأ لاستقبال البيان الإلهي وفق قدرات فطر عليها، فإن كان قادراً على استيعاب هذا البيان الذي تتصدع الجبال منه، فهو لما دونه من علوم البشر أقدر، ولا يعجزه سبق أمّة من الأمم ولا تراكم معارف. وقد أوتي لغة لا يمكن النفاذ إلى البيان الإلهي إلا بها، وكلما ارتقى الإنسان في تعلمها وفهم الخطاب الإلهي؛ تمكّن من تبصّر الأفكار والمناهج المطروقة وغير المطروقة، وأحدث طرقاً إنسانية نافعة لم يظهر إعمالها بعد.
فالأفكار الفطرية النقيّة المتخيّلة غير ممكنة دون اللغة التي من شرط تعليمها الموجّه (المعلم-المجتمع)، فكيف وقد دمجت لغةٌ بأصدق وأعظم المعاني التي بيّنت للكائن الإنساني المتبيّن والمبيّن؛ كرامته وقدرته؟


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق