مجلة مباشر الاخبارية

المعرفة تلاحقنا

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المعرفة تلاحقنا, اليوم السبت 9 نوفمبر 2024 10:49 مساءً

المعرفة تلاحقنا

نشر بوساطة إيمان حكيم في الرياض يوم 09 - 11 - 2024


تخيل لو أن جدك، ذاك الذي ولد في عشرينيات القرن الماضي، عاد إلى الحياة اليوم. هذا الرجل الذي كان يجوب المكتبات ويقتطع من مصروفه لشراء كتاب، وربما يسافر من بلد إلى آخر ليتأكد من صحة معلومة واحدة، ثم يرى حفيده، بضغطة زر، يحصل على ملايين النتائج في أقل من ثانية! لو علم هذا الجد أن كل ما تعب هو وأقرانه وأسلافه في جمعه طيلة حياتهم، يمكن لأي واحد منا الوصول إليه اليوم بكبسة واحدة، ربما أصابته الصدمة أو قال في نفسه: "يا ليتني كنت حفيدًا في هذا العصر!".
لكن الأمر لا يتوقف هنا، فما قد يصيبه بالغصة حقًا هو أن هذا الحفيد لا يستغل المعرفة التي أمامه. بينما كان الأجداد يسافرون وراء الكتب، نجد الأحفاد يسافرون بين مواقع التواصل، يتابعون آخر صيحات التحديات الإلكترونية بدلًا من البحث عن معنى الحياة أو تاريخ الحضارات. ولك أن تتخيل مدى الإحباط الذي يشعر به الجد حين يجد حفيده منهمكًا في البحث عن "حيل للفوز في لعبة إلكترونية" بدلًا من "كيف تؤثر التغيرات المناخية على البيئة؟".
فحينما ترى شابًا يحمل هاتفه الذكي، هل تعتقد أنه يبحث عن "معلومات حول الحضارات القديمة"؟ على الأغلب لا، لأنه بالكاد يعرف شيئًا عن تاريخ بلده. صحيح أن الوصول إلى المعلومات قد بات سهلاً، لكن الفهم العميق يتطلب جهدًا وصبرًا، وهو ما بات نادرًا اليوم.
في الماضي، كانت رحلة البحث عن المعرفة تستحق رواية. تصور أن شخصًا كان يرحل من قريته إلى مدينة أخرى فقط ليستمع إلى درس من عالم أو ليتأكد من حديث سمعه. أما اليوم، فحفيد هذا الشخص قد يستثمر نفس الجهد في البحث عن أفضل طريقة لتصبح "مؤثرًا" على الإنترنت، دون أن يعلم حتى ما هو تاريخ بلده، أو عدد كواكب المجموعة الشمسية.
الأدهى من ذلك، أنك حين تسأله عن معلومة، تجده يفتح هاتفه ليبحث عنها في الحال، وينسى أنه في المرة التالية سيحتاج إلى إعادة البحث مجددًا، لأنه لم يتعلمها، بل اكتفى بنسخ ولصق المعلومات.
نعم، هناك عمليات بحث لا حصر لها وذكاء اصطناعي يُستخدم بكثافة، لكن الاستخدام السائد ينحصر في التفاهات أو الحيل للعبور في الألعاب الإلكترونية. وكأننا نُحيي المثل القائل: "اللي ما يعرف الصقر يشويه." فبينما يمكن لشخص اليوم أن يعرف كل شيء عن تاريخ الحضارات أو العلوم، نجد أغلبهم يفضلون التسلية على حساب المعرفة، وتجد البعض يناقش بعمق قشور الأمور ولا يكلف نفسه عناء التعمق، مدعين أنهم في عصر "السرعة"، بينما لا أحد يبدو في عجلة للمعرفة.
يبقى السؤال الملح: هل نحن ضحايا فيضان المعلومات؟ أم أننا نتعمد اختيار الجهل؟ من الواضح أن هناك حاجة للتفكير في أولوياتنا المعرفية. الحكمة ليست فقط في كمية المعلومات التي نحصل عليها، بل في كيفية استخدامنا لها. من المهم أن نقدر المعرفة، لأن الحياة ليست مجرد معلومات سريعة تظهر على الشاشات، بل هي تجربة تتطلب تطوير الفكر والروح.


أخبار متعلقة :