نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قُصَّاص والإخباريون (من ظاهر استعمال زمن التنزيل), اليوم الجمعة 29 نوفمبر 2024 12:24 صباحاً
نشر بوساطة سوسن العتيبي في الرياض يوم 29 - 11 - 2024
كان ظهور القُصاص مبكراً في الإسلام، ويظهر في القرآن الكريم التمييز بين مقبول الحكايات ومردودها، لورود لفظين دالّين على القصص، أحدهما «الأساطير»، قال تعالى:(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِين)[الأنفال:31]، (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)[الفرقان:5]، (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين)[القلم:15]. والأساطير أحاديث تشبه الباطل، وترتبط بالكتابة أكثر، أو ما يحكى عن مسطورٍ؛ «يُقال: هو يسطِّر ما لا أصل له، أي: يؤلف. وسَطَر يَسْطُر: إذا كتب». و»هذه أسطورة من أساطير الأولين: مما سطّروا من أعاجيب أحاديثهم، وسطر علينا فلان: قصّ علينا من أساطيرهم»، و»جاءنا بأحاديث تشبه الباطل والأساطير: أحاديث لا نظام لها واحدها إسطار». والأساطير تأتي على نحو القصّ المذموم، أو غير الموثوق في صحته؛ لعلة قادحة؛ رواية أو دراية.
أما اللفظ الآخر الذي جاء في القرآن هو اللفظ الصريح «القصص»، وسورة «القصص» شاهد على الدلالة الحسنة، كذا قوله سبحانه: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) [آل عمران:62]، وقوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين)[يوسف:3]. والقصص في القرآن للعِبر وإحياء القلوب والإيمان.
إذاً، ثمة حكايات محتقرة «الأساطير»، وحكايات لها درجات حتى الأحسن «القصص». وهذا اللون من الخطاب قد وجد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وبعدها، وعاش أهل الكتاب في جزيرة العرب، فارين بدينهم، ومعهم مصادرهم وحمولتهم الثقافية، وفيها قصص عن الأزمنة الماضية، ولم تُذم في الأثر لذاتها، وقد جاء النهي عن التحديث عنهم ثم رفُع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمّداً، فليتبوأ مقعده من النار» (البخاري). وذا أمر بالتبليغ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما أمر «حدّثوا» فهو لرفع الحرج، والحرج لدلالتين: رفع حرج التحديث عنهم، ورفع حرج عدم التحديث عنهم؛ لأنّ «حدثوا عن بني إسرائيل» أمرٌ رفع وجوبه بقرينة «لا حرج»، ومحصلة الدلالتين واحدة «الإباحة»، ما لم يكن في المرويّ عنهم ما يعارض الوحي، كما قد بيّن ذلك المنّاويّ -رحمه الله-.
ومن منفذ رفع الحرج بدلالتيه؛ أدخلت الإسرائليّات في الحديث والتفسير، لا لغفلة الأئمة، وضعف رؤيتهم للعواقب، ولكن كان التفسير فرعاً من علوم الحديث، ثم انفصل عنها، ومع الزمن أُسقط الإسناد تخفيفاً؛ اعتماداً على أصول تلقي العلم وتوارثه في الإسلام، ثم وُرثت كتب التفسير بأقل درجات التلقي «الوجادة»، وظنّ بعض من خلف أنّ من سلف قد أدخل الإسرائيليات عمداً، إلا بعض من عُرف بالإسرائيليات والخلط، فآل هذا للتقليل من قيمة التفسير بالمأثور.
وقد جاءت القصص في السنة النبويّة لفظاً ودلالة، وقصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّة قصص فيها عبرة لمعتبر، وسلوة لمحزون، وتثبيتاً لمضطرب. وكذا لفظ القصّ، قد جاء في حديث جمع بين الموضوع والفاعل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يقصّ إلا أمير أو مأمور أو مختال» (أبو داود)، ففي هذا الحديث حُدِّدَ الفاعل، وفيه حصر للتقييد، إذ الأمير المستوفي لشروط الإمارة مخوّل، وكذلك من يأمره بالقصّ، أو أن يكون القاصّ مختالاً، فَعَلَهُ تكبّراً لصرف وجوه الناس إليه، أو لاعتداده بنفسه دون تخويل من إمام مأمور بحفظ دين الناس. أو لأن المقصود بالحديث من حقق شرط الإمامة بالناس وأُقيم فيهم خطيباً، أو من ينوب منابه، فهو أشبه ب «المنصب» الديني، لأنه من وظائف ورثة النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبار متعلقة :