تصفية القضية الفلسطينية، مازال الهدف الرئيسي من وراء العمليات العسكرية التي يشنها الاحتلال في غزة، منذ أكثر من عام، وهو ما يبدو في سلسلة من الجرائم التي ترتكبها قواته، تدور كلها في فلك الإبادة الجماعية، عبر القتل والتنكيل، والتجويع والتهجير، وذلك في إطار خطة ممنهجة يقودها اليمين الإسرائيلي المتطرف، بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لتجريد الدولة الفلسطينية المنشودة، والتي تمثل جوهر الشرعية الدولية، من أهم أركانها، وهي الشعب، عبر التهجير، والأرض، من خلال فصل القطاع عن الضفة الغربية، وهو الأمر الذي بدا واضحا منذ اليوم الأول للعدوان الغاشم، عبر الأعمال العدائية التي لم تقتصر على القصف العنيف للمنشآت المدنية، وإنما أيضا من خلال إجراءات من شأنها منع دخول المساعدات الإنسانية وعرقلة وصولها إلى السكان.
والملفت للانتباه أن الدولة المصرية كانت أول من أدركت أبعاد المخطط الإسرائيلي منذ اليوم الأول للعدوان، حيث رفضت مخططات التهجير، كما ضغطت لتمرير المساعدات الإنسانية، بل ونجحت في تحقيق العديد من التوافقات الدولية، لتحقيق هذه الأهداف، وهو ما بدا في قمة القاهرة للسلام، التي حققت توافقا عابرا للقارات، حول ثوابت القضية الفلسطينية، ثم في القمة العربية الإسلامية، والتي نجحت في تحقيق موقف إقليمي موحد تجاه الثوابت نفسها، وهو ما أثمر في نهاية المطاف عن سلسلة من الانتصارات السياسية التي تحقق لصالح فلسطين، منها التحول الكبير في المواقف الأوروبية، نحو مزيد من التوازن، إلى حد اعتراف عدة دول بالقارة العجوز بالدولة الفلسطينية، بينما استعادت الزخم الإفريقي عبر دخول دولة جنوب أفريقيا على خط المواجهة القضائية مع الاحتلال، ناهيك عن توتر ملموس في العلاقة بين نتنياهو والإدارة الأمريكية الحالية.
إلا أن ثمة بعدا آخر، ربما لا يجوز تجاهله، عند الحديث عن القضية الفلسطينية، إلى الجانب البعدين الدولي والإقليمي، وهو الوضع في الداخل، في ضوء حالة الانقسام السياسي السائدة، منذ أعوام طويلة، والتي ساهمت بصورة كبيرة في إضعاف الجبهة الداخلية، مما أدى إلى تراجع القضية برمتها على الأجندة الدولية، نظرا لعدم وجود سلطة واحدة، من شأنها الحديث باسم الفلسطينيين، في ظل سيطرة الفصائل على قطاع غزة، في الوقت الذي تبقى فيه الضفة الغربية تحت إدارة منظمة التحرير الفلسطينية.
تلك الحالة الانقسامية، التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، في الإطار السياسي، لم تصب سوى في صالح الاحتلال الذي يسعى حاليا نحو تكريس الانقسام جغرافيا، من خلال دعوات فصل القطاع عن الضفة، وهو ما يعني تجريد فلسطين من أرضها، بعدما تجردت من سلطتها الموحدة، وبالتالي حرمانها ممن يمكنه التفاوض باسمها، وهو الأمر الذي نبهت له مصر مرارا وتكرارا لسنوات عديدة، بل وسعت إلى عقد الاجتماعات مع مختلف أطراف المعادلة السياسية في فلسطين، بهدف توحيد الصف، ربما كان أبرزها قبل شهور قليلة من اندلاع العدوان، من خلال تنظيم اجتماع للفصائل مع السلطة، بحضور الرئيس محمود عباس، في مدينة العلمين، وهو ما يعكس، إذا ما نظرنا إلى توقيته، قراءة جيدة للمشهد الإقليمي، في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل تسعى إلى تصفية القضية، عبر جر المنطقة إلى حرب إقليمية.
إنهاء الانقسام الفلسطيني يمثل أحد أبرز الأولويات المصرية، منذ بدء العدوان على غزة، حيث باتت الحاجة ملحة إلى توحيد الصف، بل وتعزيز السلطة الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والتي يمكنها التفاوض عنه، بينما تمثل المصالحة أحد أهم الخطوات التي من شأنها تقويض خطة الاحتلال القائمة على فصل القطاع عن الضفة، من خلال تمكين السلطة الشرعية من كافة أراضي فلسطين، وهو ما بدا في اللقاءات التي تحتضنها مصر بين حركتي فتح وحماس، وأحدثها لقاء السبت، والذي يهدف في الأساس إلى تعزيز الصمود الداخلي في الأراضي الفلسطينية، عبر إنهاء الانقسام، وتحقيق وحدة الصف، من جانب، بينما تساهم في تقويض دعوات الاحتلال لفصل الأراضي الفلسطينية، وتجريد الدولة من أرضها، وبالتالي الإجهاز على أي أمل لتحقيق الشرعية الدولية.
وبالنظر إلى الرؤية المصرية لتوحيد الصف الفلسطينية، نجد أنها تقوم في الأساس على تعزيز حالة الحوار بين السلطة والفصائل، والهدف الوصول إلى أرضية مشتركة، تقوم في الأساس على مواجهة التهديد المشترك، والمتجسد في الاحتلال الذي يسعى إلى تصفية القضية، وفي المقابل تحييد حالة الصراع أو الخلاف بين الأطراف المتنازعة، لتحقيق حلم الدولة المنشودة، وهو ما يمثل امتدادا للنهج الذي تتبناه الدولة المصرية في إدارة الشؤون الإقليمية في السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في تعزيز حالة الحوار في المنطقة، وساهمت في تحقيق حزمة من المصالحات في الشرق الأوسط، عبر تعزيز المصالح المشتركة، من شأنها تنحية الخلافات جانبا.