ما زالت المنطقة تشهد أحداثا متصاعدة فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى الغاشم الذى خلف وراءه الكثير من الشهداء والمصابين والمشردين، فبعد أكثر من عام لا يزال الاحتلال مستمرا فى استهداف المدنيين الأبرياء على الأراضى الفلسطينية، ويقوم بانتهاكات لم يسلّم منها الأخضر واليابس، ولم يتوقف الأمر عند غزة وإنما امتد إلى لبنان، لتبدأ مأساة جديدة فى المنطقة العربية بات بطلها إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
وتستمر مساعى ومجهودات الدولة المصرية بجانب أشقائها من الفاعلين والمؤثرين فى المنطقة، فى محاولة لوقت الأحداث الدامية التى لا يحمد عقباها فى حالة استمرارها، فقادة المنطقة يحاولون سويا وقف النزيف فى الأراضى الفلسطينية ولبنان، فباستمرار الأوضاع على هذا المنوال تبقى المنطقة أمام سيناريو حرب إقليمية شاملة فى الشرق الأوسط.
وجاءت مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة العربية الإسلامية التى انعقدت فى الرياض، تأكيدا على موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية، ودورها المحورى الفعال فى أزمات المنطقة العربية، إلى جانب التأكيد على العلاقات الوطيدة مع المملكة العربية السعودية وقادتها، وما يجرى بين مصر والسعودية من تنسيق متكامل على كل الأصعدة.
وتأتى هذه القمة المشتركة امتدادا للقمة العربية الإسلامية التى عقدت فى الرياض خلال نوفمبر من العام الماضى، حيث دعا إليها العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز، إيمانا بمكانة المملكة ودورها فى العالمين العربى والإسلامى، واستكمالا لمجهودات ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، فى الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة بالتنسيق مع قادة المنطقة.
ولعل هذه القمة تأتى فى ظروف سياسية واستراتيجية أكثر دقة وأهمية عما سبقتها فى العام الماضى، فهى جاءت بعد فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية فى الانتخابات التى جرت الأسبوع الماضى، ومن ثم التنبؤ بسياسات أمريكية حاسمة عما بدت من الرئيس الأمريكى جو بايدن، والذى وُجهت لفترته الرئاسية الكثير من الاتهامات بضعف سياساته تجاه ما يشهده العالم من صراعات وأيضا ما يشهده الشرق الأوسط من توتر متصاعد، بالإضافة إلى الجرائم الإسرائيلية فى لبنان وما يجرى من مناوشات أيضا مع إيران، خاصة بعد استهداف إسرائيل لعدد من القادة والشخصيات البارزة سواء الإيرانية أو التابعة لحركة حماس، وهو ما زاد من احتداد الأوضاع فى المنطقة بما يدفع بمخاوف من تصاعد الصراع بها.
وفى تأكيد على توحيد الصف العربى والإسلامى فى مواجهة التحديات السياسية والاستراتيجية التى تشهدها المنطقة، جاء اتصال هاتفى، جمع بين الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان، تزامنا مع انعقاد القمة، أكد فيه «بزشكيان» على أهميتها فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى، مبديا تفاؤله بنتائجها وتوصياتها، وقد شارك فى فعاليات القمة، النائب الأول للرئيس الإيرانى محمد رضا عارف، وبرفقته وفد رفيع المستوى، فيما شارك نائب الرئيس الإماراتى نائب مجلس الوزراء، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نيابة عن الرئيس الإماراتى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وكتب الشيخ منصور عبر حسابه الرسمى على «X» أن مشاركته تأتى فى إطار التزام دولة الإمارات بدعم جهود السلام والتعايش، وسعيها الدائم لتعزيز التعاون مع الدول العربية والإسلامية لتحقيق الاستقرار فى المنطقة، وتزامنا مع القمة أيضا، جاء تأكيد الشيخ محمد بن زايد، وأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار فى غزة، ومع التأكيد على موقفهما تجاه الحفاظ على وحدة لبنان وسيادته، وتأييد ضرورة تكثيف العمل من أجل منع اتساع دائرة الصراع فى المنطقة.
فى الواقع نرى أن مشهد القمة العربية الإسلامية، والقادة والمشاركين بها أو من ينوب عنهم، وما تزامن مع فعالياتها من تحركات عربية وبيانات رسمية حول موضوعها ذاته، يعكس موقف البيت العربى الموحد والمبشر، بما يعكس اصطفافا قويا فى مواجهة ممارسات إسرائيل العدوانية تجاه غزة ولبنان، وما يمكن أن يترتب عليه من اتساع رقعة الصراع بالشرق الأوسط، ولعل الأيام المقبلة ستشهد بعض المؤشرات التى تحمل بوادر ما ينتظر المنطقة خلال السنوات المقبلة، والتى لا يقبل قادتها إلا بالأمن والاستقرار واستكمال مسيرة التنمية فى بلداننا جميعا.
ويقول المحلل السياسى السعودى الدكتور سعد الحامد، والذى حضر مشاركا إعلاميا فى فعاليات القمة، إن ما تناولته من محاور ومرتكزات، من المؤكد أنها ستؤتى ثمارها بما يصب فى صالح الشعوب العربية والإسلامية، لافتا إلى أنها دعت إلى مزيد من التضامن للوصول إلى موقف موحد ضد ممارسات إسرائيل فى غزة ولبنان، لوضع حد لهذا العدوان المستمر.
كما أوضح أن القمة جاءت فى توقيت مهم فى عمر المنطقة، كفرصة مواتية لتوحيد الصف، من خلال متابعة مقررات القمة السابقة والتأكيد عليها، وأيضا للدعوة بالاعتراف بشكل عاجل بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين، والتأكيد على البعد الإنسانى والإغاثى.
وشدد «الحامد» على أن الارتكان إلى مقررات الشرعية الدولية والمبادرة العربية والقوانين الدولية حيال القضية الفلسطينية مهم، لوضع حد لما يحدث من سفك لدماء الأبرياء، وهو ما شملته القمة أيضا.
وتابع، القادة العرب أكدوا أنه لا بديل لحل الدولتين، وأنه لا بد من وجود موقف دولى للاعتراف بدولة فلسطينية، والآن هناك فرصة مواتية لتعزيز الدور الكبير الذى تلعبه الدبلوماسية السعودية والعربية لوضع حد لما تقوم به إسرائيل من تعسف، وما نراه من مخاوف من ارتداد كرة الخراب والدمار إلى دول أخرى بالمنطقة.
من جانبها، أكدت الرئيس السابق لجمعية الصحفيين البحرينية، الكاتبة الصحفية عهدية أحمد، أن القمة وتوقيتها مهم جدا فى ظل ما تعيشه المنطقة من حروب وصراعات، بما يحتّم على الدول العربية والإسلامية التكاتف بهدف حماية حقوق الشعبين الفلسطينى واللبنانى، وحماية الأبرياء والمدنيين، ممن يدفعون ثمن هذه الصراعات، لافتة إلى أن اجتماع القادة العرب والإسلاميين فى الرياض جاء لوضع الحلول والقرارات الحاسمة لوقف ما تشهده المنطقة من استنزاف فى صراعات، وهو ما عكسته كلمات القادة والمشاركين.
وقالت إن قدر مصر والسعودية دائما أن تكونا الدعامة الأساسية لمنطقتنا للتصدى لما يواجه المنطقة من تحديات، فدورهما قيادى، حيث إن السعودية قلب الإسلام ومصر قلب العرب، وعندما تتكاتفان فمن المؤكد أنهما ستحسمان الأمر فى وجه الحروب والإرهاب، من خلال وضع حلول جذرية تحقن دماء الأبرياء، مؤكدة أن وجود مصر والمملكة العربية السعودية دائما يمثل صوت العرب جميعا؛ فقادة الدولتين لهما رؤية بعيدة المدى، من المؤكد أنها ستسهم فى إيقاف الحرب الدائرة الآن، وقالت «لا ننسى دور مصر الكبير وأيضا السعودية فى إدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينى، وأتمنى أن تتوقف الحرب قريبا، لأن ما يشهده أهل فلسطين من معاناة وأيضا لبنان لا يمكن أن يتقبلها أى إنسان سواء عربى أو غير عربى».
وأكد رئيس تحرير صحيفة سبق الإلكترونية، على الحازمى، على أهمية التوقيت الذى جاءت به القمة، لا سيما فى ظل الأحداث الجارية فى غزة ولبنان.
وقال، إن أهمية هذه القمة تكمن فى جمع الدول الإسلامية لتوحيد المواقف حول قضايا تمس الأمن والاستقرار، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وأضاف «دور السعودية ومصر فى هذه القمة يتجاوز البعد السياسى، حيث تعكسان ثقلا استراتيجيا وإقليميا يعزز من احتمالات إيجاد مخرجات فاعلة تعالج هذه الأزمات»، لافتا إلى كلمة ولى العهد السعودى، والذى أكد على تحرك المملكة بالتعاون مع الدول الشقيقة للتأكيد على محورية القضية الفلسطينية، مشيرا إلى ضرورة الاعتراف بفلسطين كعضو كامل فى الأمم المتحدة، كما دعا المجتمع الدولى إلى إلزام إسرائيل بوقف فورى للحرب، معبرا عن رفض المملكة لاستمرار الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين وللقدسية الإسلامية فى المسجد الأقصى، وأنه فى إطار تعزيز الحلول الدائمة، أطلقت المملكة «التحالف الدولى من أجل حل الدولتين»، ساعية لحشد دعم دولى يضمن تحقيق هذا الحل كخيار واقعى ومستدام للسلام، بالإضافة إلى ذلك، أدانت المملكة العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان، ودعت إلى احترام سيادة الدول بما فيها إيران، بما يعكس التزام السعودية بالعمل من أجل استقرار المنطقة والحد من الأعمال التى تهدد أمنها.
وقال «الحازمى»، إن تصريحات ولى العهد تتلخص فى دور السعودية المحورى فى السعى لحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وتعكس التزام المملكة بموقف قوى وفعال تجاه استقرار وأمن المنطقة.
وتابع بأن مصر تلعب دور الوسيط الرئيسى، بفضل موقعها الجغرافى وعلاقتها الوثيقة مع الأطراف الفلسطينية، حيث تواصل جهودها فى تهدئة الوضع فى غزة ومنع تصاعد العنف، وتسعى لتنسيق الجهود العربية لضمان صوت إسلامى موحد فى المنصات الدولية، ما يعزز فرص التأثير فى القرارات.