تعد الشائعات إحدى الظواهر الاجتماعية، التى تبرز فى مختلف المجتمعات، خاصة فى ظل التطورات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعى، والتى تسهل عملية انتشار المعلومات بشكل سريع، غير أنها تحمل مخاطر كبيرة على الأمن القومى، وعلى رأسها، نشر الذعر بين المواطنين، ما قد يؤثر على سلوكهم، ويؤدى إلى تصرفات غير محسوبة، وفقدان الثقة بين المواطن والدولة، ما يخلق حالة من الهلع والقلق، فعند انتشار معلومات غير صحيحة أو مضللة، يمكن أن تؤدى إلى تدهور العلاقة بين الشعوب والسلطات، ما يضعف قدرة الدولة على إدارة الأزمات، وتسهم فى تأجيج النزاعات والصراعات الداخلية، وتفاقم التوترات وتهديد الوحدة الوطنية، كما تؤدى الشائعات إلى تراجع الثقة فى الأسواق، ما يؤثر سلبًا على الاستثمارات الخارجية والنمو الاقتصادى، وتراجع السياحة، وبالتالى انهيار الاقتصاد الوطنى، وفقدان فرص العمل، وانتشار البطالة بين أفراد المجتمع الواحد، وأخيرا، يمكن أن تستغل بعض الجهات الخارجية، الشائعات لتفكيك المجتمعات أو التأثير على الاستقرار السياسى بها، كما يمكن استخدام الشائعات كأداة «حرب نفسية»، وبث روح الهزيمة والضعف وانهيار الفرد والأسرة والمجتمع، بهدف زعزعة الأمن القومى.
وتعد الدولة المصرية الأكثر تعرضا لحرب الشائعات، خاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013، وهو ما يطرح تساؤلا حول كيف يمكن مواجهتها والحفاظ على أمن وسلامة وأمان المجتمع، من كل هذه المخاطر، التى تحيط به فى وقت قياسى، وبتزامن قدرى مع النيران المشتعلة بمنطقة الشرق الأوسط، وتحيط الدولة من كل جانب، وتصوب سهامها نحو هدف واحد «إسقاط» مصر من الداخل؟
ومن واقع التجربة المصرية فى مواجهة الشائعات والتصدى لهذه الحرب التى تستهدفها، سنجد أن الحكومة والمجتمع، يعملان بالتوازى، على تعزيز الوعى العام والشفافية، وتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة انتشارها، أهمها وجود حملات توعية مستمرة، تهدف إلى تعليم المواطنين كيفية التحقق من المعلومات ومصادرها، عن طريق استخدام وسائل الإعلام المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعى، لنشر المعلومات الصحيحة، وتعزيز التفكير النقدى، كما أن على الحكومة والمؤسسات الرسمية، أن تكون شفافة فى تعاملها مع المعلومات، فكلما كانت المعلومة الرسمية متاحة وواضحة، قلل ذلك من فرصة انتشار الشائعة، كما يجب على وسائل الإعلام، أن تلعب دورا فعالا فى مكافحة الشائعات، عن طريق تقديم حقائق دقيقة ونشر الأخبار بشكل موضوعى، وتصحيح المعلومات الخاطئة عند انتشارها، وأخيرا استخدام التكنولوجيا الحديثة لمراقبة وتتبع الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعى، من خلال تحليل البيانات، فيمكن تحديد مصدر الشائعة، واتخاذ إجراءات سريعة للتصدى لها.
وتلعب وسائل التواصل الاجتماعى دورا محوريا فى نشر الشائعات، ما يجعلها منصة مثالية لانتشار المعلومات غير الدقيقة، حيث تمتلك قدرة هائلة فى تسريع عملية التداول والنشر بشكل فورى، ما يجعلها تنتشر بسرعة أكبر من أى وقت مضى، فيمكن لمستخدم واحد، أن يشارك شائعة، لتصل إلى آلاف الأشخاص فى دقائق معدودة، خاصة أن شبكات التواصل تمتلك قاعدة مستخدمين ضخمة، ما يعنى أن الشائعات، يمكن أن تصل إلى أكبر قدر من الجمهور بأقل مجهود وفى زمن قياسى، فى ظل ما تتميز به منصات التواصل من انعدام الرقابة حتى أنه يمكن لأى شخص نشر المعلومات ومشاركتها دون الحاجة إلى التحقق من صحتها، ما يساهم فى زيادة انتشار الشائعة، حيث يمكن لمستخدمين غير مؤهلين ولا مدربين على التحقق من المعلومات، إعادة نشر المحتوى دون التفكير فى دقته، خاصة إذا تم استخدام أساليب التأثير العاطفى على الجمهور المستهدف من نشر الشائعة، والذى قد يصل الأمر فى حالات عدة، إلى تصميم شائعات بعينها، لاستهداف فئات محددة داخل المجتمع، واستغلال عواطفهم، خاصة أن الشائعات، تميل إلى أن تكون مثيرة أو مقلقة، ما يجعلها أكثر جذبا للمستخدمين، يتفاعل معها المواطنون بشكل أقوى، خاصة مع المحتوى الذى يثير مشاعرهم، ما يعزز من مشاركتهم لهذه المعلومات المغلوطة، بالتزامن مع ما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعى للمستخدمين من التعليق والمشاركة فى النقاشات حول المعلومات المتداولة، ما يمكن أن يؤدى إلى تضخيم الشائعة وتقديمها كمعلومات موثوقة، فى ظل اعتماد منصات التواصل على خوارزميات تحدد المحتوى، الذى يظهر للمستخدمين بناء على اهتماماتهم وتفاعلاتهم السابقة، فيمكن أن تؤدى هذه الخوارزميات إلى تعزيز انتشار الشائعات، حيث يتم عرض المحتوى المثير للجدل بشكل أكبر.
وعلى الرغم من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعى، فإنها تعتبر سلاحا ذى حدين؛ حيث توفر منصة للتواصل والتفاعل بين الناس، لكنها فى الوقت نفسه، تسهم فى نشر المعلومات غير الدقيقة والشائعات، لذلك من الضرورى تعزيز الوعى العام حول كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعى بحذر، وتعليم المستخدمين كيفية التحقق من المعلومات، وتحديد مصادرها قبل مشاركته، من خلال استراتيجيات متكاملة، تشمل الأفراد والمؤسسات والحكومة، وعلى رأسها الحرص على التوعية والتثقيف، وتعليم المهارات الرقمية، وتعزيز الوعى العام حول كيفية التحقق من المعلومات ومصادرها، عبر تنفيذ ورش عمل أو دورات تدريبية لتعزيز التفكير النقدى ومهارات التحقق من الحقائق، كذلك استخدام وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرأية، ووسائل التواصل الاجتماعى نفسها، لنشر رسائل توعية حول مخاطر الشائعات، وكيفية التعرف عليها، كذلك تعزيز الشفافية فى تقديم المعلومات، ما يساعد على تقليل فرصة انتشار الشائعات، كما يمكن أن تشمل نشر التحديثات بانتظام والإجابة عن تساؤلات المواطنين، كما يمكن تفعيل دور المنصات الاجتماعية، من خلال استخدام العقول الشابة للباحثين وطلبة كليات الذكاء الاصطناعى والثورة الصناعية الخامسة، التى انتشرت فى مصر خلال الـ 5 سنوات الماضية، واستغلال عقولهم فى ما ينفع الدولة، وتصميم خوارزميات تحقق خاصة، والتى يمكنها أن تعمل تطوير منصات وسائل التواصل الاجتماعى، لتكتشف الشائعات وتقلل من انتشارها، ما يستوجب أن يكون هناك نظام لتصنيف المحتوى بناءً على مصداقيته، واستخدام علامات تحذير أو تنبيهات للمستخدمين عند انتشار محتوى مشكوك فيه، ما يدفعهم للتحقق قبل مشاركة المعلومات، فضلا عن تعاون الدولة مع منظمات المجتمع المدنى بزيادة الوعى حول الشائعات ومخاطرها، حيث يمكن أن تشمل شراكات لتنظيم فعاليات أو حملات توعوية، كذلك أصبح من الضرورى التنبيه إلى أهمية المراقبة المجتمعية، عبر تشجيع الأفراد على الإبلاغ عن الشائعات أو المعلومات المضللة التى يرونها وتتداول على وسائل التواصل الاجتماعى، بل فإنه من الممكن تحفيز المستخدمين وتشجيع التحقق الشخصى، من المعلومات قبل مشاركتها، سواء من خلال البحث عن مصادر موثوقة أو من طرح أسئلة حول صحة المعلومات، إلى جانب تقدير المساهمات الإيجابية، حيث يمكن تكريم الأفراد أو المنظمات، التى تساهم فى مكافحة الشائعات، ونشر المعلومات الصحيحة، ما يشجع الآخرين على القيام بالمثل، ويمكن للأفراد الانخراط فى مبادرات وطنية، تهدف إلى تعزيز الوعى بمخاطر الشائعات، مثل ورش العمل أو الفعاليات التوعوية، وتعزيز التعليم والوعى المعلوماتى.
مكافحة الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعى، تتطلب جهودا جماعية من جميع فئات المجتمع، من خلال التوعية وتعزيز الشفافية، وتفعيل الدور الحقيقى للمنصات، حيث يمكن تقليل تأثير الشائعات والمساهمة فى بناء مجتمع أكثر وعيا ومصداقية.