ضبابية المشهد في سوريا بعد التطورات المتسارعة، والتي انتهت بسقوط بشار الأسد، تدفع إلى الحديث عن سيناريوهات فوضوية، وربما غير معلومة، تدور بين مشاهد سابقة في العديد من مناطق العالم، منها المشهد العراقي، في أعقاب سقوط نظام صدام حسين، إثر الغزو الأمريكي في عام 2003، وما تلاه من صراع أهلي غلبت عليه النزعة الانتقامية، ذات نطاق أهلي من جانب، ومشهد آخر في أفغانستان، مع صعود طالبان إلى سدة السلطة، في أعقاب الانسحاب الأمريكي في أغسطس 2021، وهو ما لم يحظى بمقاومة دولية كبيرة، رغم حديث متواتر من النشطاء والحقوقيين عن ممارسات دائما ما كانت محلا للإدانة الدولية لعقود طويلة من الزمن، خاصة خلال حقبة الهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم.
وبين غزو العراق والانسحاب من أفغانستان، يبقى الوجود الأمريكي فاعلا في المشهدين، في الوقت الذي تتواجد فيه قوات أمريكية في الداخل السورى حتى اللحظة الراهنة، إلى جانب وجود روسي، مما يطرح التساؤلات حول النموذج الأقرب للحالة السورية، في ضوء العديد من المعطيات، ربما أبرزها الأوضاع الاقليمية المتوترة جراء الاعتداءات الاسرائيلية المتواترة على العديد من دول المنطقة، بالإضافة إلى التغيير الكبير في المشهد الدولي، وفي القلب منه الولايات المتحدة مع صعود دونالد ترامب إلى سدة السلطة في البيت الأبيض، والمقرر في 20 يناير المقبل.
والحديث عن الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالمستجدات في سوريا، يبدو مهما بالنظر إلى تصريحات الرئيس المنتخب والتي حملت دعوة مباشرة للإدارة الحالية بعدم التدخل فى حالة الفوضى التي اندلعت في سوريا، قبل ساعات معدودة من الإعلان عن رحيل الأسد، معتبرا أن "المعركة ليست معركتنا" على حد تعبيره، في الوقت الذي اعتبر فيه ان روسيا ليست قادرة على الدفاع عن النظام نظرا لانشغالها في حربها على الأراضي الأوكرانية.
تعليقات ترامب التي استبقت الإعلان عن رحيل الأسد، تعكس بجلاء حالة من الحياد الأمريكي، خلال ولايته المقبلة، تجاه الأوضاع في سوريا، وتمثل استدعاءً صريحا للمشهد الأفغاني، وهو ما قد يستتبعه خطوات أخرى بانسحاب القوات الأمريكية، حتى لا يتم استهدافها في المرحلة المقبلة، خاصة وأن النزعة الانتقامية لن تغيب عن الفصائل المسلحة، وهو ما بدا بجلاء مع الساعات الأولى من رحيل الأسد، عبر اقتحام السفارة الإيرانية في دمشق، في خطوة تثير مخاوف من امتداد هذه النزعة إلى الداخل وما قد يترتب على ذلك من اندلاع صراع أهلي قد يستمر لسنوات على غرار المشهد العراقي، وهو ما يعني مزيد من العزلة الدولية قد تواجهها دمشق في لحظة إقليمية فارقة.
والتقارب بين الوضع في سوريا في اللحظة الراهنة والحالة العراقية، يتجلى بوضوح حال المقارنة بينها وبين يوم سقوط الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وهو ما يبدو في احتشاد المواطنين للاحتفاء بسقوط تمثال حافظ الاسد واقتحام منزل بشار ومحاولات اقتحام السجون وغيرها من المشاهد التي تنم عن رغبة عارمة في الانتقام قد تأكل الأخضر واليابس
الأوضاع في سوريا قد تتمخض عن مزيج بين المشهدين الأفغاني، في ظل مباركة ضمنية من قبل واشنطن، متمثلة في إدارتها الجديدة مع سكون الادارة الحالية، لما آلت إليه الأمور في البلاد، بينما يبقى شبح الفوضى بمثابة تهديد صريح للمستقبل في لحظة إقليمية فارقة، في ظل ما تشهده المنطقة من مستجدات.