-
تبادل الاستهدافات الإيرانية الإسرائيلية وانتهاكات نتانياهو في لبنان وغزة تفاقم الأزمة
نحن على وشك حرب إقليمية مفتوحة تزداد التخوفات والتنبؤات باشتعالها أكثر وأكثر يوماً تلو والآخر، فمع تبادل الضربات العسكرية بين إيران وإسرائيل خلال الشهور الماضية، وإصرار الاحتلال الإسرائيلي على فتح أكثر من جبهة في آن واحد، تبدو أن المنطقة ستواجه مصير محفوف بالمخاطر، والنتيجة لا محالة دخول الشرق الأوسط في فوضى عارمة، لم تنته إلا بتحكيم لغة العقل وإفساح المجال لالتقاط فرصة للتهدئة والدخول في مباحثات جادة من أجل وقف إطلاق النار بجبهتي غزة وجنوب لبنان، وهي مطالب ضرورية لطالما ولا زالت تبذل الدولة المصرية الكثير والكثير من أجل الوصول إليها، في سبيل عودة لغة التفاوض والاستقرار للمنطقة والإقليم بأكمله، في حين تحاول إسرائيل أن تقدم على سياسات وترتكب انتهاكات بأوامر رئيس وزرائها المتطرف بنيامين نتنياهو من شأنها أن تعيدنا إلى نقطة الصفر.
وعكست الضربات الإسرائيلية الأخيرة لإيران وما سبقها من هجمات موجهة طهران في عمق تل أبيب، أننا أمام منعطف خطير قد يضع المنطقة على فوهة بركان، وهو ما يأتي خلافًا للتوقعات التي كانت تشير إلى رغبة الجانبين في عدم الدخول في أي مناوشات عسكرية متبادلة، مهما اشتعلت الأوضاع في جبهتي لبنان وغزة.
لكن ما حدث في غزة ولبنان يبدو أنه غير كل النظريات الموضوعة، حيث كانت رؤية الخبراء تذهب نحو عمليات عسكرية محدودة إسرائيلية في غزة وجنوب لبنان، تعقبها جولات من المفاوضات بوساطة دولية، مما يؤدي إلى اتفاق هدنة بشكل سريع قد توقف الحرب الإسرائيلية؛ لكن هذا السيناريو كان بعيدًا عن الواقع الحالي، خاصة في ظل قيادة بنيامين نتنياهو، الذي يبدو بعيدًا عن توجهات التهدئة، حيث يقود حربًا تتغير معها ملامح الحدود والخرائط بشكل جذري. ومع مرور أكثر من عام على العدوان الإسرائيلي، لا تلوح في الأفق أي إشارات توضح ما سيؤول إليه الوضع في المستقبل القريب.
من جانبها لم تقف مصر للحظة عن تقديم كل ما في وسعها من جهود للدعوة للعودة إلى طاولة المفاوضات، بل كانت أيضاً أول من حذرت من نشوب حرب إقليمية مفتوحة لن يسلم من تداعياتها الكارثية أحد، فقبل أشهر أكدت القاهرة على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان لتفادي ما وصفته بـ "الحرب المفتوحة"، وندد وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي قبل نحو شهر بـ "إمعان إسرائيل في توسيع رقعة الصراع".
الأمر لم يقف عند هذا التنديد والتحذير بعواقب انتقال المنطقة للفوضى، فالأسبوع الماضي وبعد ساعات قليلة من توجيه إسرائيل ضربات محدودة لإيران، حذّرت مصر من "استدراج المنطقة إلى (حرب إقليمية) تؤدي إلى تداعيات وخيمة على شعوبها" ودعت إلى "اتخاذ خطوات تُسهم في تحقيق التهدئة". في حين جدد عبد العاطي، الأحد الماضي إدانة مصر لكل "الإجراءات والسياسات الأحادية والاستفزازية التي تهدد استقرار المنطقة.
وتكثّف القاهرة مشاوراتها بهدف احتواء التصعيد الراهن، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، عندما أكد أن مصر قامت بجهود مكثفة خلال الأسبوع الماضي لإطلاق مبادرة لتحريك الموقف فيما يخص قطاع غزة ووقف إطلاق النار في القطاع لمدة يومين ليتم إطلاق سراح 4 محتجزين في غزة مقابل أسرى فلسطينيين في سجون إسرائيل، وخلال 10 أيام يتم التفاوض على استكمال الإجراءات في القطاع وصولًا لإيقاف كامل لإطلاق النار وإدخال المساعدات للقطاع المحاصر.
كما جدد الرئيس السيسي التأكيد على موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين، قائلاً إن "مصر ضد أي محاولة لتهجير قسري للفلسطينيين من غزة لخارج القطاع، وذلك لأنه ليس في صالح القضية الفلسطينية، مشيراً إلى قيام مصر "بدور لإيقاف إطلاق النار في ظل التدمير الكبير الذي يتعرّض له القطاع"، ودافع الرئيس السيسي عن حق الفلسطينيين في غزة في الحصول على المساعدات، وقال إن "الأشقاء في قطاع غزة يتعرضون لحصار صعب جداً يصل إلى حد المجاعة ولابد أن يتم إدخال المساعدات الإنسانية لهم في أسرع وقت ممكن"، لتأتي تصريحات الرئيس ضمن تحذيراته المستمرة من إبقاء الوضع القائم كما هو عليه دون التحرك بشكل جدي وسريع لوقف المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة.
وكانت مصر استشرفت مستقبل المنطقة سريعاً منذ الوهلة الأولى للعدوان، وأطلقت تحذيرات شديدة من العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن استمرار التصعيد الإسرائيلي، حيث صرح الرئيس السيسي، في أكتوبر من العام الماضي: "حذرت من توسع دائرة الصراع، فالمنطقة قد تتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد الجميع".
وهذا التحذير ليس فريدا من نوعه، فقد دعا الرئيس السيسي بعد أيام من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، إلى تجنب انزلاق المنطقة نحو حرب إقليمية مدمرة، مشددًا على ضرورة وقف التوترات التي قد تضر بعملية السلام. وأكد على أهمية إعادة إحياء مسار السلام، ومنح الفلسطينيين الأمل في إقامة دولتهم المستقلة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وخلال القمة العربية الإسلامية المشتركة التي عقدت في الرياض، جدد الرئيس تحذيراته من اتساع دائرة الصراع، ثم خلال لقائه بالرئيس الإيراني، حيث شدد على ضرورة العمل للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، وعدم السماح بتفاقم الأوضاع.
معوقات كثيرة تقف حجر عثرة أمام تهدئة الأوضاع بالمنطقة، ففي ساحة التفاوض، أظهر نتنياهو أنه المعرقل الأول لكل جهود الوصول إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في غزة، متجنبًا أي صفقة تطلق محتجزين إسرائيليين، ورافضًا لفكرة الهدنة التي تطالب بها جهات دولية. وبدلًا من تسهيل المهام، قيد وفوده بصلاحيات محدودة وفرض شروطًا صعبة، مما جعل من التوصل لاتفاق بعيد المنال.
على الجبهة اللبنانية، بدا أن نتنياهو قد خدع العالم، فبعد أن أوهم دول كثيرة بأنه احتوى التوترات بلبنان ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة، سرعان ما بدأت الأمور تتفاقم منه، موجهاً حملة عنيفة تستهدف قيادات حزب الله، ثم وجه بإطلاق غزو بري على جنوب لبنان، مما أثار قلقاً دولياً من انزلاق المنطقة إلى الفوضى، حيث شهد الأسبوع الماضي تصاعدًا دراميًا في الأحداث، منفذاً جيش الاحتلال الإسرائيلي هجمات عنيفة أوقعت خسائر كبيرة في صفوف المدنيين خاصة في المناطق الجنوبية مثل مدينة صور التاريخية، التي تعرضت لقصف مكثف مما أسفر عن انهيار عدة مبانٍ ومستشفيات وخلافه، بينما أعلنت السلطات الصحية اللبنانية أن أكثر من 2000 شخص قد استشهدوا منذ بدء الضربات في أكتوبر، بينهم نساء وأطفال.
وأطلقت إسرائيل عدة غارات جوية وقصف مدفعي على عدة بلدات جنوبية، مما أجبر الآلاف من اللبنانيين على النزوح من منازلهم، في حين أُغلق عدد من المدارس والمرافق العامة بسبب الخطر المتزايد. كما تعرضت منشآت سياحية وأثرية لأضرار جسيمة، مما أثار انتقادات واسعة خاصة بسبب استهداف المواقع التاريخية في صور، التي تعدّ من أقدم المدن المأهولة في العالم، ليزيد هذا التصعيد من مخاوف انفجار مواجهة واسعة في المنطقة، خاصة مع مواصلة حزب الله توعده بالرد في حال استمر القصف الإسرائيلي.
وأعادت هذه التطورات المتسارعة في لبنان وغزة وبين إٍسرائيل وإيران، حسابات المنطقة بالكامل؛ فمع تزايد الاضطرابات على جبهات عدة - يبدو أن الشرق الأوسط قد يكون بالفعل على أعتاب مواجهة شاملة. فهذه المواجهة الإسرائيلية المفتوحة على عدة جبهات، ليست مجرد حدث عابر، بل تُعتبر مؤشرًا على أن الحرب الباردة بين إسرائيل وإيران وحلفائها آخذة في التوسع، وقد تتحول إلى مواجهة مفتوحة إذا استمرت الضربات المتبادلة بين الطرفين.
في السياق ذاته، تراقب القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا هذا التصعيد بحذر، حيث يمكن لأي انفجار محتمل للحرب الشاملة أن يغيّر معادلة التوازن في المنطقة. واشنطن من جهتها تستمر في دعم تل أبيب بالسلاح والمال، بينما تحاول أن تضغط لتهدئة الأوضاع، خاصة أن حرباً مفتوحة قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مصالحها في المنطقة، فيما تسعى روسيا للعب دور الوسيط خشيةً من أن تمتد هذه الحرب إلى نطاقات أوسع تشمل بلدان أخرى تمثل لروسيا أهمية قصوى مثل روسيا، حيث تملك موسكو وجوداً عسكرياً كبيراً.
أخبار متعلقة :