مجلة مباشر الاخبارية

مؤشر الفتوى العالمى: الجماعة المتطرفة تستغل الحملات الإلكترونية لتعويض خسارة مقومات التأثير الشعبي

أوضح المؤشر العالمي للفتوى، التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الشائعات لا تزال تمثل خطرًا يهدد المجتمعات والدول، لا سيما وأنه قد يشارك الكثير من الناس في ذيوعها وانتشارها دون التأكد من صحتها، وهو ما يستغله الساعون لزرع الفرقة والفتن لتزييف الوعي المجتمعي بصفة عامة، وبين فئة الشباب بصفة خاصة، فرغم المزايا الكثيرة التي تحققها مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنها أصبحت سلاحًا ذا حدين وتسببت في انتشار ميليشيات إلكترونية تعمد إلى نشر المعلومات المغلوطة وتضخيمها من خلال حسابات مزيفة،  وجاء ذلك تزامنًا مع توضيح رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أن الدولة المصرية واجهت خلال فترة قصيرة نحو 21 ألف شائعة، هدفها الأساس التشكيك في القيادات والمؤسسات الوطنية، وإضعاف الروح المعنوية للأفراد، ونشر البلبلة وعدم الاستقرار.

 

"حروب الجيل الخامس" آلية الجماعات المتطرفة لزعزعة استقرار المجتمعات

وفي إطار عدد من الدراسات التحليلية التي أجراه المؤشر العالمي للفتوى، كشف أن الفشل الذريع للجماعات المتطرفة- وعلى رأسها تنظيم الإخوان الإرهابية- وفقدها كل مقومات التأثير الشعبية جعلها تلجأ للشائعات أو ما يسمى بحروب الجيل الخامس حتى تجد وسيلة لنشر أكاذيبها ونفث سمومها، وترويج معلومات مغلوطة حول سياسات الدولة ومؤسساتها، بغية إضعاف الثقة في القيادة السياسية.

 

وبتحليل مؤشر الفتوى لعينة من الفتاوى والآراء الصادرة من قبل الجماعات المتطرفة، كشف أن (33%) منها كان يهدف لنشر الفوضى وبث الفرقة وزعزعة أمن المجتمعات، ثم جاءت الفتاوى ذات الأهداف السياسية التي تمثل (27%) من نسب فتاوى هذه الجماعات والتي غلفتها بالصبغة الدينية لتحقيق مزيد من التأثير والجذب العاطفي، ثم الفتاوى الداعمة لهدم اقتصاديات الدول بنسبة (25%) ، وأخيرًا الفتاوى التي تنمي وتغذي خطابات الكراهية وظاهرة الإسلاموفوبيا بنسبة (15%)، وأكد مؤشر الفتوى أن النظرة العدائية تجاه المسلمين في الخارج ليس السبب الوحيد لها هو الفهم الخاطيء لتعاليم الدين الإسلامي، بل وأيضًا إعادة نشر فتاوى غير منضبطة تحمل في طياتها العنف والعداء، وهو ما يؤجج تلك الكراهية ويزيد من حدة الإسلاموفوبيا.

 

وأشار "مؤشر الفتوى" إلى أن الجماعات المتطرفة تمكنت من تحقيق تلك الأهداف من خلال "اللجان الإلكترونية" أو ما يعرف بــ"الذباب الإلكتروني" وخلق ما يسمى بـ "التظاهرات الإلكترونية" أو "الحملات الإلكترونية".

 

وفي السياق ذاته، حذر مؤشر الفتوى من انتشار أكثر من 10 ملايين حساب على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في مصر بأسـمـاء مستعارة، من بين 82.01 مليون مستخدم للإنترنت في مصر في بداية عام 2024، ولفت المؤشر إلى أن خطورة تلك الحسابات أنها قد تعمـل مع جهـات خارجية لنشر فتاوى غير منضبطة من الناحية الدينية؛ ما يؤدي إلى صناعة ما يشبه الفوضى الإفتائية، أو بث أخبار مزيفة حول المجالات الأخرى، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.. أو غيرها.

 

استغلال الذكاء الاصطناعي لابتكار محتوى رقمي مزور

 

كما حذر مؤشر الفتوى بدار الإفتاء من استخدام تقنيات التزييف العميق التي تتماشى مع تقنيات الذكاء الاصطناعي لابتكار محتوى رقمي مزوَّر، بما يسهم في انتشار الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بسرعة كبيرة، وبدرجة لا ترصدها أية مراكز بحثية، وذلك نتيجة انتشار (جروبات) فيس بوك أو واتس آب، والتي تعدّ وسيلة غير مرئية لنشر الشائعات بين أفراد معينين.

 

وأشار المؤشر إلى أن ذلك يزيد من  تعميق فكرة "غُرف الصدى"، ومعناه أن شخصًا يبدأ ببث شائعة، ثم لا تلبث أن تنتشر تلك الشائعة بين أفراد أو جماعات تتبنى أجندة معينة أو يجمعهم هدف واحد مشترك، ثم يبدأ كل فرد من تلك الجماعات أو (الجروبات) في نشر الشائعة في محيطه ومجتمعه، من أسرة أو عائلة أو أصدقاء آخرين، لنصل إلى مرحلة أن تلك الشائعة قد وصلت للآلاف بل الملايين، بل باتت أصبحت شائعة بالفعل لكن المركز البحثية المتخصصة في مواقع التواصل الاجتماعي  لم تقم برصدها، كونها تعمل  غالبًا على الصفحات العامة أو الشائعات المنتشرة بالفعل.

 

إجماع إفتائي على تحريم نشر الشائعات

 

أما من الناحية الشرعية، فأكد المؤشر العالمي للفتوى أن الشريعة الإسلامية تحرِّم - بلا شك - نشر الأخبار الكاذبة أو غير المؤكدة، لما تسببه من بث الذعر بين الناس، وهو ما يُؤثر بدوره على استقرار المجتمعات والدول، مستشهدًا بما جاء في تلك الفتاوى بأدلة من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، والتي تحث على التحقق من الأخبار قبل نشرها وتجنب تداولها دون يقين أو تثبت، منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾، [الحجرات: 6]، وقوله جل شأنه: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

 

المؤشر يوصي بضرورة مواكبة المؤسسات الدينية للذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي

 

وأوصى المؤشر العالمي للفتوى بضرورة مواكبة المؤسسات الإفتائية الرسمية لتقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، وزيادة تأثير المواقع الإلكترونية لتلك المؤسسات وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلًا عن المؤسسات الإعلامية الرسمية باعتبارها أفضل السبل لمواجهة الشائعات والأكاذيب والفتاوى المغلوطة، فضلًا عن المتابعة الآنية، وإعداد خطط استباقية قادرة على مواجهة الشائعات قبل وصولها إلى عقول مشوهة ووسائل إعلام مزيفة تجعل منها حربًا شعواء يصعب احتواؤها.

 

كما أوصى مؤشر الفتوى مستخدمي السوشيال ميديا بتحري دقة المعلومات بشكل عام والفتاوى بشكل خاص قبل تداولها وإعادة نشرها على نطاق واسع؛ لأن من أبرز أسباب انتشار الشائعات هو الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة المنشورات دون التأكد من صحتها ومن مصادرها الرسمية.

وأخيرًا، ناشد المؤشر بتغيير الوسائل التي يتم من خلالها بث الفتاوى لتلائم الفئات العمرية الشبابية التي أصبحت أداة طيعة في يد كل من يمتلك أجندات خاصة، من خلال البحث عن الوسائل الجاذبة لتلك الفئات العمرية وتطبيقها، بما يضمن وصول التعاليم الدينية والأسس والمفاهيم الفقهية بشكل صحيح، لخلق جيل واعٍ قادر على مواجهة كافة الأفكار المتطرفة والآراء المستحدثة.

أخبار متعلقة :