لوحات تتعطر بالأدب في ملتقى الشارقة للخط

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

الشارقة: علاء الدين محمود
عوالم مختلفة من الإبداع تعكسها ممارسات الخطاطين والفنانين في ملتقى الشارقة للخط، تكوينات تحتفي بالتاريخ والتراث العربي والإسلامي وتعانق الحاضر كجسر يربط بين عالمين وزمنين، ولوحات تتجمل بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الحكماء وكلمات من أصحاب التجارب الروحية، ويشكل الأدب حضوراً خاصاً من خلال النصوص الشعرية والمقاطع السردية التي تحض على قيم الخير والحب والجمال.
الأديب الطيب صالح كان حاضراً في الملتقى، من خلال لوحات تحتفي به وبمقولاته وشذراته، من خلال اللوحات التي شارك بها الفنان السوداني وليد وراق، والذي قدم عدداً من الحروفيات في محبة الطيب صالح، تتألق فيها الألوان والأشكال التي تخالط الخط لتكون لوحة تحمل بين طياتها الكثير من الأبعاد الجمالية والدلالات الإبداعية والروحية، وتقدم المعنى الذي يحلق في عوالم الإنسانية، تلك القيم التي حملتها أعمال الطيب صالح، لتصبح اللوحة الحروفية أمام المشاهد قطعة معطرة بالسرد.
اللوحات الحروفية التي قدمها وراق حملت عنوان «الحصاد المزعوم»، وجميعها في محبة الطيب صالح، ولعل العنوان يحمل الكثير من الدلالات بحمولة فكرية وسياسية، ويعزز الفنان معاني الحصاد في واحدة من تلك اللوحات عبر أشكال مثل «المنجل»، وهو إحدى أدوات الحصاد الزراعي، لكن الفنان يتحدث عن فترة سياسية واجتماعية في التاريخ السوداني وجد فيها الناس من أمرهم عنتاً كبيراً، وكان أكثر الذين تضرروا من تلك الحقبة هم الأدباء والشعراء والمثقفون بصورة عامة، لتأتي هذه اللوحات لتعبر عن فكرة الإنصاف لهؤلاء المبدعين، لذلك تعلن اللوحات الحروفية لحظة لقاء نادر بين عوالم إبداعية وجمالية متمثلة في الشعر والسرد والخط والرسم، لتؤكد أن الإبداع شيء واحد مهما تعددت أنواعه وصنوفه.
*نور ساطع
إحدى اللوحات يتحاور فيها اللونان الأسود والأحمر، بخلفية من درجات الأصفر، لتظهر نصوص العمل، حيث حملت اللوحة اسم الطيب صالح بالأسود القاتم؛ إذ جاء اسم «الطيب»، في الأعلى، و«صالح»، في الأسفل، وما بين الاسمين في المنتصف هناك دائرة ساطعة باللون الأحمر، وكأنها ترمز للنور والمعرفة والاستنارة والإشراق الذي قدمه الأديب الكبير للرواية؛ حيث كانت لحظة ظهوره في مشهد السرد حالة خاصة من الجمال والألق والضياء الذي انبعث من قرية صغيرة في شمال السودان «كرمكول»، منطقة تكاد تكون منسية ومهملة، لكن اسم الأديب الكبير يتوهج ليملأ العالم ويحمل اسم تلك البقعة، فالضوء الأحمر الساطع الزاهي في اللوحة يحمل دلالات أهمها جمال الإبداع السردي للطيب صالح، وفي اللوحة هناك نص يعرّف بالشخصية جاء في بعض منه: «اسمه الطيب محمد صالح، أديب وصحفي من السودان، يعد واحداً من أشهر الأدباء العرب في القرن العشرين، اشتهر في الرواية والقصة القصيرة فأطلق عليه النقاد لقب (عبقري الرواية العربية)، ويقدم التعريف إضاءة إلى جوانب من حياة الأديب الكبير.
*مقام المحبة
اللوحة الرئيسية في تلك الأعمال التي شارك فيها وراق، تحمل نصاً يفيض رقة وعذوبة وجمالاً للطيب صالح، يتحدث فيه عن الشاعر والدبلوماسي السوداني الكبير سيد أحمد الحردلو، يقدم الروائي في هذا النص مرافعة شديدة التوهج والجمال عن الشاعر الذي أحيل على التقاعد الإجباري لأسباب فكرية وسياسية، وشبه صالح ذلك الأمر بقطع أشجار بدأت تثمر، من أجل زراعة أخرى، ومن هنا جاء اسم اللوحات من قبل الفنان بالحصاد المزعوم، ويكتب صالح في ذلك النص الذي حوله الفنان إلى قطعة حروفية تشكيلية: «في صنعاء ذات القوام الرشيق والسمت المميز، لقيت صديقي سيد أحمد الحردلو، الشاعر الموهوب، الذي كان سفيراً ناجحاً للسودان في اليمن. وجدت أنهم خلعوه من عمله. كل عهد تجود به علينا الأيام، لا تقر عينه حتى يعزل أفواجاً من السفراء والضباط والوكلاء والمديرين ومن هم أدني من ذلك. كأنهم يقلعون أشجاراً بدأت تثمر ليزرعوا مكانها أشجاراً أخرى». واللوحة ضرب من الوفاء النادر للأديب والشاعر، حيث عبر الفنان وراق عنها بإبراز جملة الطيب صالح «الحصاد المزعوم»، في قلب اللوحة على شكل «منجل»، بألوان من درجات الأسود مستخدماً الألوان المائية بطريقة شديدة الابتكار، بحيث تعبر عن ذلك الحصاد كان بالفعل مزعوماً وغير ذي فائدة، وذلك بجعل اللون متشظياً في حواف الجملة.
*رموز
ثم يكرر الفنان بطريقة إبداعية كلمات الطيب صالح في حق الشاعر بخطوط عربية مختلفة تصغر وتكبر، مع إبراز اسم الطيب صالح باللون الأحمر، الذي يوظفه الفنان ليحمل دلالة التوهج، حيث يستخدم هذا اللون مرة أخرى لإعلان لحظة اللقاء بين الروائي والشاعر في جملة «في صنعاء»، للإشارة إلى المكان الذي جمع بين الطيب صالح وصديقه الحردلو، الذي يعد واحداً من أهم شعراء السودان، كما أن الفنان استخدم اللون الأحمر كذلك في وضع النقاط، وتحمل اللوحة عدداً من الرموز والأشكال التي تبرز جماليات النص.
الخطاط ولید وراق فنان تشكيلي سوداني، تخرّج في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، له إسهامات كثيرة في مجال الخط العربي والزخرفة، وله العديد من التجارب والورش داخل السودان وخارجه، كما عمل في مجال تدريب وتدريس الخط العربي لكل الفئات. وشارك في العديد من المعارض.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق