مجلة مباشر الاخبارية

مواقع تواصل.. منصات للسب والتشهير

تحقيق: عبدالرحمن سعيد

أصبح استخدام مواقع التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إذ يستخدمها عشرات الملايين من مختلف الفئات العمرية، سواء الأطفال أو الشباب أو حتى كبار السن، وبرغم أنها سهّلت أموراً كثيرة، وأتاحت سرعة ومرونة التواصل بين الأفراد بعيداً عن الوسائل التقليدية القديمة، فضلاً عن إمكانية الحصول على الأخبار والمعلومات، وتوفير فرص تجارية لأصحاب الأعمال، فإنها شهدت مؤخراً بعض الظواهر السلبية الدخيلة على مجتمعاتنا العربية، أبرزها السبّ والقذف والتشهير، حيث شهدت المحاكم قضايا مختلفة من هذا النوع بين زملاء وأصدقاء ومعارف، ترصد «الخليج» بعضها في التحقيق التالي، وتستطلع رأي قانونيين حول العقوبات.
أكد مختصون أن القانون الإماراتي يضمن لكافة الأطراف حقوقهم ويساوي بين الجميع، ويردّ لكل ذي حق حقه، كما أنه رادع لمختلف الأساليب والممارسات الخاطئة، ويتناول عقوبات خاصة بالفئة التي تستغل مواقع التواصل في تفريغ سلوكها السلبي، معتقدين أنه لا توجد ضوابط على الشبكات المعلوماتية.
وأشاروا إلى أن السبّ أو القذف أو التهديد على مواقع التواصل لا يقلّ خطورة عن وقوع الفعل نفسه وجهاً لوجه، نظراً لأن هناك قوانين وضوابط تحكم الفعلين، وكلاهما يؤدي للمساءلة القانونية. 
ملصقات سباب
شهدت المحاكم بمختلف درجات التقاضي، خلال العامين الجاري والماضي، قضايا مختلفة بين زملاء عمل وأصدقاء ومعارف، حيث قام شخص بمقاضاة آخر بسبب إرسال رموز متحركة وملصقات «إيموشن» عبر «واتساب»، لتحقيره وإهانته وخدش شرفه وسمعته، وقد دِينَ جزائياً عن ذلك الفعل بموجب قضية أخرى. 
ومن هذه الدعوى رأت محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية، أن الخطأ ألحق بصاحب الدعوى أضراراً أدبية تمثلت في شعوره بحزن وأسى، وقضت بإلزامه بغرامة قدرها 10 آلاف درهم، كتعويض عن كافة الأضرار. 
وفي قضية أخرى، قام شخص بمقاضاة آخر لقيامه بالتعدي عليه بالسبّ عبر تسجيل صوتي على «واتساب»، وقضت محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية بإلزامه بتعويض 10 آلاف درهم، وفي قضية ثالثة، قام شاب بإرسال ألفاظ وعبارات تهديد لامرأة عن طريق «سناب شات»، وبناءً عليه قامت بمقاضاته، حيث ألزمته المحكمة بدفع 15 ألف درهم تعويضاً عن الأضرار المادية والنفسية. 


عبارات خادشة
وفقاً لأوراق قضية أخرى، قام شخص بتهديد امرأة بألفاظ وعبارات بإسناد أمور خادشه بالشرف والاعتبار، وتهديدها بارتكاب جناية ضدها، وقذفها في رسائل نصية وجّهها إليها من هاتفه بألفاظ وعبارات ماسّة بالعرض وخادشة لسمعة العائلات، كما أشان بسمعتها بكتابة ونشر وقائع وصفات من شأنها أن تضرّ بسمعتها، وبناءً عليه قضت محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية الإدارية بإلزام هذا الشخص تعويض المرأة بمبلغ 70 ألف درهم. 
عدة ألفاظ
وفي قضية أخرى قامت امرأة بسبّ رجل بما يخدش اعتباره، بأن أرسلت عبارة تحمل العديد من الألفاظ، وذلك بوسائل تقنية المعلومات برنامج «واتساب»، وقد دِينت عن تلك الواقعة بموجب حكم جزائي، وبناءً عليه قضت محكمة العين الابتدائية بإلزامها دفع مبلغ وقدره 20 ألف درهم تعويضاً له. 
رسائل سباب وتشهير
ووفقاً لأوراق قضية أخرى قضت محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية بإلزام رجل دفع مبلغ 50 ألف درهم، إلى رجل آخر، حيث قام بإرسال رسائل السباب 3 مرات متتالية على تطبيق التواصل الاجتماعي «واتساب»، بالإضافة إلى الاتصالات المتعددة، ما ترتب عليه إيذاء مشاعره والألم النفسي وإيذاؤه بشرفه والضرر المادي بسداد تكاليف محامٍ لرفع الدعوى. 
خدش حياء
بينما قضت محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية في قضية مشابهة بإلزام امرأة دفع مبلغ 10 آلاف درهم، تعويضاً مادياً ومعنوياً إلى رجل، حيث قامت بسبّه عبر برنامج «جوجل ماب» بألفاظ خادشه للحياء، ما تسبّب له في ضرر معنوي تمثل بخدش حيائه واعتباره وشرفه وحالة الحزن والأسى بعد تلك الواقعة. 
فيما أيدت المحكمة، في قضية مماثلة، حكم محكمة أول درجة بإلزام شخص دفع 30 ألف درهم، تعويضاً مادياً وأدبياً ومعنوياً لامرأة، حيث سبّها وقذفها عبر أحد برامج التواصل الاجتماعي بألفاظ خادشة للحياء طالت شرفها، وحقرت من شأنها، فضلاً عن تهديدها بنشر صورها ورقم هاتفها. 
الضرر الأدبي


يفسر قانونيون عقوبة السبّ والقذف والتشهير عبر مواقع التواصل، والتي غلّظ القانون الإماراتي بعضَها، فيقول سالم العبد، محامٍ ومستشار قانوني، إنه من المقرر وفقاً لنص المادة (293) من قانون المعاملات المدنية أنه يتناول حق الضمان الضرر الأدبي، ويعتبر من الضرر الأدبي التعدي على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي، كما أنه من المقرر أن تعيين عناصر الضرر التي تدخل في حساب التعويض هو مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة التمييز، وأما تحديد الضرر وتقدير التعويض الجابر له فهو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع ما دام القانون لم يوجب اتباع معايير معينة لتقديره، وذلك بشرط أن تقيم قضاءها على عناصر محددة للضرر لها أصلها الثابت في الأوراق ويكفي لحمله، كما أن المقرر وفقاً لنص المادة 293 من قانون المعاملات المدنية أن الضرر الأدبي هو كل ما يمسّ الكرامة أو الشعور أو الشرف أو السمعة أو المركز الاجتماعي بما في ذلك الآلام النفسية. 
قانون العقوبات
وذكر أن القانون في الإمارات، فرّق بين السبّ من خلال جروب به عدة أشخاص وبين المحادثة الفردية الخاصة بين شخصين، حيث اعتبر أن السبّ عبر مواقع التواصل دون أن يطلع عليه الآخرون أو اطلع عليه عدد قليل، يعدّ جريمة شأنها شأن السبّ من خلال الهاتف، وينطبق عليها موادّ قانون العقوبات الإماراتي، ويعاقب المتهم بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو الغرامة التي لا تزيد على 5 آلاف درهم أو إحدى العقوبتين.
«جروب»
وأشار إلى أن سبّ شخص على مجموعة «جروب» من مواقع التواصل الاجتماعي هو ما يعني اطلاع عدد كبير من الأشخاص على هذا السبّ، ما يحط من قدر المجني عليه، وفي هذه الحالة من الممكن أن يعاقب المجرم وفق نص المادة (43) من قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية لسنة 2021 بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تزيد على 500 ألف درهم أو بإحدى العقوبتين.
وأوضح أنه من المقرر وفقاً لنص المادة (282) من قانون المعاملات المدنية أن كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر، وكان مفاد هذا النص أن أركان المسؤولية التقصيرية ثلاثة هي: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية بينهما.
الإخلال بالتزام
ويعرف الخطأ الموجب للمسؤولية، بأنه الإخلال بالتزام قانوني يفرض على الفرد أن يلتزم في سلوكه بما يلتزم به الأفراد العاديون من اليقظة والتبصر حتى لا يضروا بالغير، فإذا انحرف عن هذا السلوك الذي يتوقعه الآخرون ويقيمون تصرفاتهم على أساسه يكون قد أخطأ، فيما يعرف الضرر بأنه المساس بمصلحة المضرور، وهو يتحقق بالمساس بوضع قائم أو الحرمان من ميزة، بحيث يصير في وضع أسوأ مما كان عليه قبل وقوع الخطأ، ويشترط في الضرر أن يكون محققاً، كما يلزم لقيام المسؤولية توافر علاقة السببية باعتبارها ركناً مستقلاً عن الخطأ، ومعبراً عنها بأنه يتعين أن يثبت أنه لولا الخطأ لما وقع الضرر. 
احترام الآخر
أكد علي خضر العبادي، محامٍ ومستشار قانوني، أنه شهد العديد من هذا النوع من القضايا مؤخراً، على الرغم من أن هذه الظواهر والسلوكيات تتنافى تماماً مع أخلاق وعادات وتقاليد مجتمع دولة الإمارات الذي تربى على ثقافة التسامح واحترام الآخر، والتعايش السلمي مع مختلف ثقافات العالم من دون تمييز بين عرق أو لون أو عقيدة أو دين. 


وذكر أن القانون الإماراتي يضمن لكافة الأطراف حقوقهم ويساوي بين الجميع، ويردّ لكل ذي حق حقه، وفي الماضي القريب كانت تستخدم أحياناً مواقع التواصل الاجتماعي في إثبات الحقوق كالديون والاتفاقات الودية والشفوية، لكن هناك فئة أصبحت تستغلها في تفريغ سلوكها السلبي، معتقدين أنه لا توجد ضوابط على الشبكات المعلوماتية، وهم على غير دراية بأن المشرع الإماراتي لم يترك ثغرة إلا وتناولها على أكمل وجه. 
الصلح بين الأطراف
وتابع: «نحن -المحامين- نسعى للصلح بين الأطراف في مكاتبنا قبل اللجوء للقضاء، وفي المرحلة الثانية تسعى المراكز الخاصة بالحلول البديلة للتقاضي للإصلاح، وفي حال إخفاق هاتين المرحلتين في الصلح، تتجه إلى المحكمة». 

سلوكيات دخيلة
قالت هدية حماد، محامية ومستشارة قانونية، نحتاج إلى نشر التوعية فيما يتعلق بمثل هذا النوع من السلوكيات التي يمكن أن تقود الأشخاص للمحاكمة والوقوع تحت طائلة القانون بدون وعي كافٍ، وذلك عبر التربية أولاً، ومن ثم تعزيز ثقافة اللجوء لأصحاب الشأن لرد الحقوق دون التطرق للسبّ والقذف والتشهير، حيث إنها سلوكيات دخيلة على مجتمعنا ولا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا التي تربينا عليها.


وأشارت إلى أن السبب أو القذف على أيٍّ من مواقع التواصل الاجتماعي لا يقل خطورة عن وقوع الفعل وجهاً لوجه، نظراً لأن هناك قوانين وضوابط تحكم الفعلين، وكلاهما يؤدي إلى المساءلة القانونية.

أخبار متعلقة :