نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تموضع نفوذ القوى الإقليمية والدولية في المشهد السوري الجديد, اليوم الجمعة 13 ديسمبر 2024 03:03 صباحاً
منذ ما قبل الإعلان عن خروج الرئيس السوري السابق بشار الأسد من المشهد السياسي، يتم التداول بمجموعة من السيناريوهات، حول مضمون الصفقة التي أبرمت قبل ذلك، دون إمكانية الحسم في صحة أي منها، حتى الساعة على الأقل. لكن في المقابل يمكن الحديث عن مؤشرات تساهم في رسم تموضع القوى الإقليميّة والدولية، في المرحلة الحالية، ما يساعد في قراءة المشهد المستقبلي، أو يقدم صورة أوليّة له.
حتى الآن، يمكن إعتبار تركيا الرابح الأبرز، على المستوى الإقليمي، خصوصاً أنّ الجماعات التي تسيطر على المشهد العام موالية لها، ما يعني فتح الباب أمام إمكانيّة أن تكون المستفيد الأكبر، لا سيما على المستوى الإقتصادي، في المستقبل. لكن في الوقت نفسه لا يمكن تجاهل مجموعة واسعة من المخاطر التي عليها التعامل معها، تبدأ من شكل الحكم في سوريا، حيث لدى البعض مخاوف من أن تكون أفغانستان جديدة، ما يعني أن تركيا ستكون باكستان الجديدة أيضاً، ولا تنتهي عند مخاطر ذهابها إلى التقسيم، مع ما يعنيه ذلك من تحديات لمعظم الدول المجاورة.
بالإضافة إلى تركيا، يمكن إعتبار إسرائيل من الرابحين أيضاً، لا سيما بعد أن بادرت سريعاً إلى التعامل مع الواقع بما يخدم مصالحها، خصوصاً على مستوى تدمير كل قدرات الجيش السوري العسكريّة، إلى جانب إحتلال مناطق جديدة وسعيها إلى تأمين "الحماية" لبعض المكونات، كي يكونوا "وكلاء" لها في المستقبل. إلا أنها أيضاً تدرك حجم المخاطر التي من الممكن أن تقود إليها الفوضى، في مرحلة لاحقة، نظراً إلى أن ما يعنيها هو الواقع الأمني بالدرجة الأولى.
من الناحية المبدئيّة، من الطبيعي الإشارة إلى تنافس تركي إسرائيلي على النفوذ، قد تكون نقطة التحول الأساس فيه شكل سوريا الجديدة، على إعتبار أن أنقرة تفضل سوريا الموحدة، بسبب مخاطر التقسيم على أمنها القومي، بينما ترى تل أبيب أن الخيار الأفضل، بحسب ما عبرت بشكل رسمي، الذهاب إلى التقسيم على أسس طائفية وقومية.
وفي حين يمكن النظر إلى إيران على أنّها الخاسر الأكبر، بالرغم من كل المواقف المعاكسة التي تصدر عن بعض المسؤولين، لا يمكن تجاهل مصالح العديد من الدول العربية، التي، بالإضافة إلى سعيها إلى بقاء سوريا موحدة بحسب ما تعلن، تنظر بعين الريبة إلى سيطرة تيارات الإسلام السياسي، ما يعني إمكانية أن تكون قاعدة لتحولات أخرى على مستوى المنطقة، بينما هي لم تصدق كيف نجحت في إحتواء الموجة التي تلت أحداث ما يعرف بـ"الربيع العربي". في حين تسيطر حالة من القلق، من تداعيات قد تترتب على المشهد الجديد، على موقف الدول العربية المجاورة، تحديداً الأردن والعراق ولبنان.
على المستوى الدولي، ترى دول الإتحاد الأوروبي أن الواقع الجديد قد يكون فرصة للتخلص من اللاجئين، الذين لم يستطيعوا التأقلم مع نمط الحياة لديها، لكن ذلك لا يلغي القلق أيضاً من إحتمال عدم الإستقرار، ما يعني موجات هجرة أكبر من الماضية، بالإضافة إلى إمكانية تحول سوريا إلى ساحة لتصدير المتطرفين.
بالنسبة إلى الجانب الروسي، لا يزال البعض يعتبر أن موسكو كانت شريكة في صفقة ما، ساهمت في ترتيب المشهد، إلا أن من الضروري السؤال عما إذا كان من الممكن التسليم بما يطرح في هذا المجال، أي حصولها على مكتسبات تتعلق بالساحة الأوكرانية، خصوصاً أن التسوية هنا من المفترض أن تكون مع الجانب الأميركي، من دون تجاهل مسألة ما إذا كانت ستنجح في الحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا، التي لم تبادر الجماعات المسلحة، حتى الآن، إلى التعرض لها.
أخيراً، من الضروري التطرّق إلى موقف الجانب الأميركي، الذي يملك القدرة الأكبر على التأثير في المشهد، بالرغم من أنه يتعامل معه عن بعد، فالولايات المتحدة تملك قواعدها العسكريّة في البلاد، التي لن يجرؤ أحد على الإقتراب منها، كما أنّ الرابحين الأبرز، أي تركيا وإسرائيل، حلفاء لها. لكن الأهم هو أنها تمتلك ورقة "الشرعيّة" التي تبحث عنها الجماعات الطامحة إلى حكم سوريا، فـ"هيئة تحرير الشام"، على سبيل المثال، موضوعة على قوائم الإرهاب الأميركية، وهي تسعى، في الوقت الراهن، إلى تلميع صورتها لرفعها عن تلك القوائم.
بالإضافة إلى ذلك، لدى واشنطن قانون "قيصر"، الذي يحول دون تقديم أيّ مساعدة لدمشق، بسبب التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، من دون تجاهل قدرتها على منع أيّ من الحلفاء من المبادرة إلى ذلك، في حال لم تعطهم الضوء الأخضر، ما يعني قدرتها، من الناحية العمليّة، على "خنق" أي حكم جديد، في حال لم يقدّم كل ما تريده على كافة المستويات.