مجلة مباشر الاخبارية

المال موجود والمواطن يعاني: هل جنى «الكنام» على المستشفى العمومي؟

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المال موجود والمواطن يعاني: هل جنى «الكنام» على المستشفى العمومي؟, اليوم الأربعاء 20 نوفمبر 2024 06:32 مساءً

المال موجود والمواطن يعاني: هل جنى «الكنام» على المستشفى العمومي؟

نشر بوساطة فؤاد العجرودي في الشروق يوم 20 - 11 - 2024


يمثل تضارب المصالح القائم بين القطاعين العام و الخاص ذروة الأزمة الهيكلية للقطاع الصحي في تونس.
والواضح أنه في غمرة الإرادة السياسية القوية لإعادة بناء أسس الدولة الإجتماعية حان الوقت للقيام بمعالجة جذرية للسياسة الصحية تمسح التداعيات الكارثية لتداخل الأدوار بين الخاص والعام طيلة العقود الأربعة الأخيرة التي احتكمت خلالها البلاد إلى منوال حكم أطلق العنان لرأس المال المتوحش على أنقاض تفكك أركان النظام الجمهوري الضامن لقيم العدل والمساواة بوصفها أساس المجتمع المتضامن.
والواضح أيضا أن الأوضاع المزرية والمعقدة التي وصل إليها القطاع الصحي قد استشرفها الدكتور الراحل «محمد قديش» وهو أول طبيب عسكري في دولة الإستقلال عندما حاول في أواسط تسعينات القرن الماضي سنّ «قانون المصحات المصدرة كليا» بهدف إقامة جدار سميك يفصل بين القطاعين العام والخاص لأنه كان يدرك أن مفهوم الصحة العمومية سينهار متى سقط هذا الجدار.
ورغم قيمة هذا الرجل الذي كان يشغل وقتها خطة رئيس دائرة في مؤسسة رئاسة الجمهورية فإن تحالف الشعبوية ورأس المال في البرلمان أسقط هذا المشروع في لجنة الصحة وحال دون وصوله إلى الجلسة العامة مدشنا بذلك مرحلة سلعنة الصحة التي تهيكلت بقيام صندوق التأمين على المرض الذي أدى بالتراكم إلى تغول القطاع الخاص مقابل تفقير الصحة العمومية حيث انتشرت المصحات والمراكز الطبية الخاصة كالفقاقيع في كل أنحاء البلاد فيما شهدت البنية الأساسية للصحة العمومية انحصارا غير مسبوق حيث مثل مستشفى الحروق البليغة ببن عروس الإنجاز الوحيد طيلة أربعين عاما.
وبالنتيجة تحول التقدم الطبي الذي لا يزال يمثل الدعامة الأولى لتفوق العقل التونسي إلى تخلف صحي لأن القطاع الخاص سقط في منطق «الخبزة الباردة» وأصبح يأكل من العام في ظل منظومة شبه شبه لا تجيب بشكل واضح وحاسم عن السؤال الجوهري : من المسؤول عن صحة المواطن؟
هذا الغموض هو الذي أدى إلى أوضاع معقدة ترعرعت في ظلها تناقضات كثيرة منها التهجير القسري الحاصل للأطباء وعجز المستشفيات عن توفير الأدوية الأساسية وأبسط مستلزمات العمليات الجراحية دون الخوض في الإشكاليات التقليدية مثل طول المواعيد وضياع ملفات المرضى وتداعيات الإنحرافات الحاصلة في النظام التكميلي الخاص على مصالح المرضى ومستوى تكوين الأجيال الجديدة من الأطباء إلى جانب تأثير التحديات الكمية التي تواجهها المستشفيات على وظيفة الإقامة Hebergement في ظل افتقار المرضى لأبسط وسائل الراحة والرفاه .
وفي المقابل تتوفر كل مقومات الرفاه في المصحات الخاصة لتنقسم البلاد إلى شطرين أحدها في العالم المتقدم وثانيهما يرزح في العالم المتخلف وتتدحرج ككرة الثلج إشكاليات وطنية عويصة تتفرع عن أزمة الصحة العمومية مثل أزمة التضخم الهيكلية الناجمة بالأساس عن تآكل كل أسس الدولة الإجتماعية إلى جانب تفاقم الإنقطاع المبكر عن التعليم حيث يضطر التلميذ في كثير من الحالات إلى مغادرة مقاعد الدراسة لأن الولى لا يقدر على دفع تكاليف عيادة طب العيون أو شراء نظام طبية.
يحصل كل هذا رغم توفر اعتمادات مالية ضخمة حيث توفر مساهمات المضمونين الإجتماعيين في نظام التأمين على المرضى نحو 2200 مليون دينار سنويا كان من المفروض أن تخصص لتطوير الصحة العمومية من حيث البنية الأساسية ومستوى الخدمات بوصفها أمانة تلزم الحكومة بإنفاق كل دينار منها على ما ينفع المواطن ويلبي تطلعاته لنظام صحي عمومي مرموق.
لو أنفقت هذه المبالغ الضخمة على القطاع الصحي العمومي لأصبحت مستشفيات تضاهي متسشفيات اليابان والدول سكندنافية التي تتفوق عليها تونس على مستوى كفاءة الموارد البشرية ولاسيما الإطار الطبي وشبه طبي والتنافسية الإجمالية للخدمة الصحية.
بل إنه من غير المعقول أن يكون القطاع الخاص قادرا على إنجاز مصحات باستثمارات تفوق 200 مليون دينار وتعجز الدولة على بناء مستشفى محلي أو جهوي دون اللجوء إلى الاقتراض من الخارج.
كما أن القطاع الخاص بإمكانه أن يحقق أرباحا تعادل أضعاف ما يجنيه اليوم لو تخصص في السوق الخارجية من خلال استقطاب المرضى الأجانب بما يقتضيه ذلك من إعادة هيكلة لقدرات القطاع الخاص لاسيما من خلال امتلاك أسطول للإجلاء الصحي وهيكلة نشاط استقطاب المرضى الأجانب علما وأن كفاءة الطب التونسي وكلفة سائر مكونات المحيط الإستشائي مثل النقل والفنادق توفر لتونس تنافسية عالية تتفوق حتى على الدول الأوروبية .
وبالمحصلة لا يوجد مشكل إمكانيات في تونس بل يوجد تداخل بين القطاعين العام والخاص حان الوقت للقطع مع أسبابه بشكل جذري وحاسم يؤكد المسؤولية الحصرية للدولة في صون صحة المواطن
الأخبار

.




أخبار متعلقة :