أساتذة الجامعات في مصر: بين حب الوطن والتحديات المعقدة
تواجه المنظومة الأكاديمية في مصر تحديات متزايدة تؤثر على مكانة الأستاذ الجامعي وأعضاء هيئة التدريس وقيمتهم المجتمعية. فبين ضغوط متصاعدة لتقديم تبرعات عينية، وإجراءات تؤدي إلى تآكل الدخل، ونظرة اجتماعية غير منصفة، يشعر كثيرون من أساتذة الجامعات بحالة من الإحباط العميق والاستياء. وقد زادت الأمور تعقيدًا بسبب سياسة ثابتة للرواتب في ظل تضخم اقتصادي غير مسبوق، ليصبح الوضع المالي صعبًا على شريحة كانت، ولا تزال، ركيزة أساسية في بناء المجتمع.
مظاهر الأزمة وأسباب الإحباط:
1. تبرعات تزيد العبء المالي
إن تحديد تبرعات على أعضاء هيئة التدريس، سواء كانت بشكل مباشر أو غير مباشر، يُشكل ضغطًا ماليًا كبيرًا على هذه الفئة. هذه التبرعات قد تكون ضمن مبادرات تنظمها الجامعات أو قرارات تُفرض بشكل غير معلن، وكثيرًا ما تأتي في وقت يعاني فيه أساتذة الجامعات من التزامات أسرية وصحية واجتماعية ودخل محدود لا يواكب التغيرات الاقتصادية. هذا الأمر يثير استياءً واسعًا، حيث يشعر الأساتذة بأنهم يدفعون من مواردهم المحدودة دون مبرر واضح.
2. الرواتب الثابتة في ظل التضخم
يشهد العالم أجمع تضخمًا اقتصاديًا كبيرًا يؤثر على أسعار السلع والخدمات بشكل يومي، ومع ذلك تبقى رواتب أعضاء هيئة التدريس ثابتة ولا تتماشى مع هذا التضخم. الوضع الذي أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للأستاذ الجامعي ويجعله في مواجهة صعبة لتلبية احتياجاته الأساسية. هذا الأمر يجعل من الصعب تحقيق الاستقرار المالي لأعضاء هيئة التدريس، مما يؤثر على جودة حياتهم ويقلل من رغبتهم في تطوير أدائهم الأكاديمي والبحثي.
3. النظرة الاجتماعية غير المنصفة
إلى جانب الضغوط المالية، يعاني أعضاء هيئة التدريس أيضًا من نظرة اجتماعية تستهين أحيانًا بدورهم الأكاديمي، إذ يرى البعض أن أستاذ الجامعة يعيش في رفاهية مادية، في حين أن الواقع يعكس عكس ذلك تمامًا. هذه النظرة الاجتماعية المغلوطة تضعف من قيمة الأستاذ الجامعي وتجعله يشعر بالعزلة وضعف التقدير من المجتمع الذي يفترض أن يكون داعمًا له.
النتيجة: إحباط وشعور بالمهانة
إن هذه الظروف مجتمعة تجعل العديد من أعضاء هيئة التدريس يشعرون بأنهم في حالة من التردي والمهانة. وتحت هذه الضغوط، يصبح من الصعب على الأستاذ أن يشعر بالرضا المهني، مما يؤثر على استقراره النفسي والمجتمعي بدلا من التفرغ لمهامه العلمية والبحثية من أجل الارتقاء بالمنظومة الجامعية ككل وقيامه بأداء رسالته التعليمية على أكمل وجه.
أضيف لعلمكم: كثير من أعضاء هيئة التدريس بالخارج يعملون تحت ضغط كبير، حيث أن رواتب أعضاء هيئة التدريس ثابتة منذ عام 2017، والتكاليف المعيشية المرتفعة تجعل طموحاتهم محدودة بالحفاظ على كرامة العيش وتلبية احتياجات أسرهم الأساسية. كما أن إجراءات التجديد السنوي أصبحت أكثر تعقيدًا، مع تراجع التعاقدات للجامعات الأجنبية مع الأساتذة الأجانب. هذه الحقائق تجعل من الصعب على الأساتذة في الخارج ادخار أي أموال، وتجعل مطالبتهم بدفع آلاف الدولارات سنويًا أمرًا مستحيلًا في ظل ظروفهم الحالية.
توصيات واقتراحات
1. تطبيق نفس النظام القانوني المعمول به حاليًا مع من لم تتجاوز خدمتهم عشر سنوات.
2. الالتزام بالنظام القانوني الحالي بشأن اجازات المرافقين.
3. تعهد الأعضاء الذين تجاوزوا عشر سنوات بدفع 1000 دولار سنويًا عن كل سنة يتقدمون فيها بطلب إجازة.
4. تقديم جميع الطلبات عبر المنصة الرسمية، على أن تتولى الوزارات المعنية جميع الإجراءات القانونية، مع اعتبار طالب الإجازة في مهمة قومية لتسهيل الإجراءات.
5. مخاطبة جميع الجامعات بعدم فرض أو قبول أي تبرعات مادية أو عينية، والاكتفاء بما سيتم دفعه.
خاتمة: أمل في التغيير
رغم هذه الضغوط، يبقى أعضاء هيئة التدريس في مصر وفي الخارج مخلصين لوطنهم، ويتطلعون لمستقبل أفضل يدعم جهودهم ويراعي إمكانياتهم. يرى الأساتذة أن التكاتف مطلوب في ظل الظروف الحالية، لكنهم يأملون ألا يُستخدم هذا كأداة لفرض المزيد من القيود عليهم، بل أن تكون هناك سياسات منصفة تحفظ كرامتهم وتدعمهم في أداء رسالتهم التعليمية. نود أن نلفت أنظار الجميع للدور الحيوي العظيم والذي يقوم به أعضاء هيئة التدريس كأحد القوى الناعمة. فلقد أولت القوى العظمى اهتمامًا كبيرًا عبر جامعاتها ومراكز أبحاثها ومفكريها لدراسة سبل استعادة مكانتها ومواجهة التحديات الجديدة دون اللجوء إلى القوة الصلبة، وظهر منذ بداية التسعينيات نمط جديد من أنماط الدبلوماسية الدولية، وهو "الدبلوماسية الثقافية".
نطالب بأن تعيد الجهات المعنية النظر في سياساتها تجاه أساتذة الجامعات، وأن تضع في اعتبارها أهمية تحسين وضعهم المالي والاجتماعي بما يتناسب مع دورهم المحوري في المجتمع. المطلوب هو العمل على استحداث سياسات عادلة تراعي التضخم الاقتصادي وتقدّر جهود الأكاديميين في بناء الأجيال، مع إيقاف أي إجراءات تضغط على استقلالهم المالي. تحقيق هذه المطالب، يمكن أن يشعر أساتذة الجامعات بأنهم مقدرون ومحترمون، ويستطيعون تقديم أفضل ما لديهم في بناء مستقبل أجيال قادمة.
تفعيل منصة الإجازات والاعارات
يبقى الأمل قائمًا أن تجد هذه المطالب آذانًا صاغية من صناع القرار، وأن يتم تفعيل منصة الإجازات والاعارات كأداة دعم وتقدير لجهود أعضاء هيئة التدريس. هذا التغيير من شأنه أن يحدث فرقًا كبيرًا، ويؤسس لمرحلة جديدة من التعاون والتنمية المستدامة التي تخدم الوطن وتحقق الاستقرار المهني للأستاذ الجامعي المصري.
*كاتب المقال
أ.د / سعيد الأشقر