تستمر تصريحات أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، حول "العلمانية" في إثارة الجدل على الساحة المغربية، خاصة بعد رده المفصل على انتقادات رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران، الذي هاجمه خلال تجمع انتخابي حضره مؤخرا.
واعتمد التوفيق في رسالة مفتوحة موجهة إلى بنكيران، على أسلوب متزن ومباشر، مسلطا الضوء على ما اعتبره سوء فهم وتصعيدا غير مبرر لما صرح به سابقا، حيث أكد في رسالته أنه لم يصرح بأن الدولة المغربية "علمانية"، موضحا أن الدولة في المغرب هي "دولة إمارة المؤمنين"، وأنه منذ أكثر من عقدين يعمل في إطار تدبير الشأن الديني بما يتوافق مع هذا الإطار.
وانتقد أحمد التوفيق بنكيران بسبب عدم تحريه للدقة في تصريحاته، معتبرا أن الأخير استند إلى معلومات منقوصة وشكّل موقفا علنيا دون التواصل المباشر لمعرفة المقصود الحقيقي، وقال التوفيق: "لقد ألزمت نفسك بما لا يلزم، لأن مجرد كلام شخص أو حتى آلاف الأشخاص لا يفيد في تغيير الحقيقة في مثل هذا الأمر الخطير."
وأوضح التوفيق أن مفهوم العلمانية نفسه يحمل تعقيدات فلسفية وسياسية، وهو ليس واحدا في تطبيقاته بين مختلف الدول الغربية، حيث قدم مقارنة بين العلمانية الفرنسية التي تنبع من توتر تاريخي مع الكنيسة، ونماذج أخرى أكثر انفتاحا تأخذ حاجات الأفراد الدينية بعين الاعتبار، مثلما يحدث في ألمانيا التي تمول الدين من أموال دافعي الضرائب.
وفي سياق مقاربته لمفهوم العلمانية، وجه الوزير انتقادات مبطنة لعبد الإله بنكيران لانخراطه في العمل الحزبي والسياسي الذي يستند إلى نماذج مستوردة من النظم الغربية، وينتمي إلى سياق علماني في بنيته، ورأى أن هذه الاقتباسات تنعكس بوضوح في الممارسات الديمقراطية التي تعتمد على مبدأ تكافؤ الأصوات والحريات الفردية، مبرزا أن بنكيران نفسه اضطر خلال رئاسته للحكومة إلى اتخاذ قرارات مستندة إلى تلك القيم العلمانية.
وأبرز التوفيق أن ما يحفظ المغرب من العلمانية المطلقة التي تعتمد فقط على رأي الأغلبية هو مؤسسة إمارة المؤمنين التي تحمي الدين وقيمه الأساسية، وتكفل ممارسة العبادات للأغلبية، مؤكدا أن هذه المؤسسة تمثل ضمانة لاستمرار التوازن بين القيم المجتمعية والدينية.
وفي ختام رسالته، أشار التوفيق إلى أن النقاش حول العلاقة بين الدين والسياسة يحتاج إلى نضج فكري وأخلاقي بعيد عن الاستقطابات الحزبية والشعارات التي تضعف المصداقية الدينية، كما دعا إلى التركيز على بناء نموذج مغربي فريد يعالج هذه الإشكاليات بوعي وحكمة.
ولم تكن رسالة التوفيق مجرد رد على انتقادات بن كيران، بل توثيق لرؤية أعمق حول دور إمارة المؤمنين وتوازنها مع قيم التحديث، مع تقديم دعوة صريحة للنقاش المبني على التبيّن والإنصاف بدلا من الإثارة والاستقطاب، قبل أن يختمها بالتأكيد على أن الغاية منها أن يسمعها "السميع" ويكون بنكيران من الشاهدين.