في عالم البحث العلمي، حيث يتلاقى الشغف بالتحدي، برز اسم الدكتور هاني ناصر عبد الحميد، أستاذ مساعد بقسم الكيمياء في كلية العلوم بجامعة أسيوط، كأحد الباحثين الشبان المتميزين في الوطن العربي. حاز الدكتور هاني مؤخرًا على جائزة الألكسو للإبداع والابتكار للباحثين الشبان في دورتها السادسة بجامعة الشارقة لعام 2024، عن بحثه الرائد الذي يفتح آفاقًا جديدة في معالجة التلوث بالميكروبلاستيك والأصباغ العضوية. يسعد موقع السبورة اليوم أن تلتقي به لنتعرف على تفاصيل هذا الإنجاز العلمي الكبير، ونلقي الضوء على رحلته العلمية، ونستمع إلى رؤيته المستقبلية في مجال البحث والابتكار.
هنأت السبورة الدكتور هاني ناصر على فوزه بجائزة الألكسو للإبداع والابتكار.
وجاء الحوار معه كالتالي:
أولا كنت حابب تصف لي شعورك بعد الفوز بجائزة الألكسو وما الذي تعنيه لك شخصيًا ولمجال عملك؟
أجاب الدكتور هاني ناصر: الفوز بجائزة الألكسو هو شعور لا يوصف ويجلب إحساسًا بالفخر العميق والسعادة. كونه تقديرًا من منظمة مرموقة، فإن هذا الفوز يحمل قيمة كبيرة على المستوى الشخصي والمهني. شخصيًا، يعني لي هذا الفوز أن الجهود المستمرة والعمل الجاد يلقى التقدير، وهذا يشجعني على مواصلة الابتكار وتقديم المزيد من الإنجازات في مجالي.
أما بالنسبة لمجال عملي، فإن هذه الجائزة تعكس الاعتراف بقدرة المواد الحديثه المصنعه في المعامل على إحداث فرق حقيقي في حياة الناس ومنها التخلص من ملوثات المياه، خصوصًا في مجتمعاتنا العربية. كما أنها تفتح أبوابًا جديدة للتعاون مع مؤسسات تعليمية وثقافية على مستوى الوطن العربي، وهو أمر يعزز من تأثير هذا المجال ويتيح فرصًا لتطوير حلول تقنية استخدام علوم المواد بشكل أكبر.
- ما التحديات التي واجهتها للوصول إلى هذا الإنجاز، وكيف تمكنت من التغلب عليها؟
أجاب الدكتور هاني ناصر قائلًا: للوصول إلى هذا الإنجاز، واجهت عدة تحديات كان عليّ التغلب عليها، وكان أبرزها:
1. صعوبة الحصول على التمويل والدعم: تمويل الأبحاث في مجال تنقية المياه باستخدام علوم المواد قد لا يكون متوفرًا دائمًا، خاصة في مراحل التجريب الأولى. للتغلب على هذا، لجأت إلى تقديم مقترحات بحثية قوية تسلط الضوء على أهمية الموضوع وتأثيره الاجتماعي، ونجحت في الحصول على دعم من بعض المؤسسات العلمية المهتمة بالابتكار في مجالات الاستدامة. وعلي راسهم هيئه STDF في مصر.
2. التحديات التقنية والتجريبية: تطوير مواد جديدة فعالة في تنقية المياه يتطلب الكثير من التجارب والاختبارات لضمان فعاليتها وكفاءتها في مختلف الظروف. خلال هذه العملية، واجهت مشكلات في ضبط جودة المواد وإيجاد التركيبة المثلى. تجاوزت هذا التحدي من خلال العمل المتواصل وتجريب طرق جديدة، بالإضافة إلى التعاون مع فرق متعددة التخصصات للحصول على وجهات نظر متنوعة.
3. الوقت وإدارة الأولويات: البحث العلمي يحتاج وقتًا طويلًا وصبرًا، خاصة عندما تكون هناك مسؤوليات أخرى. لذلك، حرصت على تنظيم الوقت ووضع خطة عمل واضحة، مع تقسيم العمل إلى مراحل صغيرة يمكن إنجازها خطوة بخطوة لتحقيق التقدم بشكل مستمر.
4. التواصل العلمي ونشر النتائج: إيصال النتائج العلمية بلغة مفهومة للجمهور والجهات الداعمة يشكل تحديًا، لذا ركزت على تبسيط العرض العلمي وتوضيح الأثر العملي للبحث.
بفضل المثابرة، والتخطيط الجيد، والتعاون مع باحثين آخرين، تمكنت من التغلب على هذه التحديات وتحقيق هذا الإنجاز، الذي أعتبره خطوة نحو المزيد من التقدم في هذا المجال.
- برأيك، كيف تساهم هذه الجائزة في دعم وتشجيع التعليم والبحث العلمي في الوطن العربي؟
أجاب الدكتور هاني قائلًا: تساهم جائزة الألكسو في دعم وتشجيع التعليم والبحث العلمي في الوطن العربي بعدة طرق، حيث تسلط الضوء على أهمية الابتكار والتفوق الأكاديمي، وتوفر منصة للتعرف على إنجازات الباحثين العرب في مختلف المجالات العلمية. وتطرق إلي بعض أوجه هذا التأثير:
* تشجيع الابتكار العلمي: قال الدكتور هاني ناصر: تمنح الجائزة الباحثين حافزًا للاستمرار في أبحاثهم وتطوير حلول عملية للتحديات التي تواجه مجتمعاتهم. وهي تدعو الباحثين الشباب إلى التفكير خارج الأطر التقليدية وتبني نهج علمي يعتمد على الإبداع في معالجة القضايا الإقليمية مثل المياه والطاقة والتعليم.
* رفع مستوى التعليم والبحث العلمي: من خلال تكريم الإنجازات البحثية، تساهم الجائزة في رفع مستوى التعليم وتشجيع الجامعات والمؤسسات التعليمية على تعزيز برامجها البحثية وتوفير البيئة الملائمة للتطوير والابتكار العلمي.
* إبراز الطاقات العربية والمساهمة في بناء القدرات: تقدم الجائزة للمجتمع العربي أمثلة ملهمة للعلماء والباحثين الذين استطاعوا إحداث تغيير إيجابي، مما يحفز الآخرين على السير في طريق العلم والمعرفة. كما أنها تشجع على بناء القدرات المحلية وتطوير الكوادر في مختلف التخصصات العلمية.
* تعزيز التعاون بين المؤسسات: تسهم الجائزة في فتح قنوات للتواصل والتعاون بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية في الوطن العربي، حيث يتم التعرف على المشاريع البحثية المميزة وتبادل الخبرات بين الدول، مما يعزز من التكامل العربي في مجال البحث العلمي.
* الترويج لأهمية البحث العلمي في تطوير المجتمعات: من خلال إبراز دور الأبحاث في حل المشكلات المجتمعية، تعزز الجائزة الوعي العام بأهمية البحث العلمي كأداة فعّالة لتحقيق التنمية المستدامة، وتدفع صانعي القرار إلى دعم المشاريع العلمية والاستثمار فيها لتحقيق تأثير أوسع على المجتمع.
في النهاية، جائزة الألكسو تساهم في خلق بيئة تشجع على التميز العلمي، وتحفز الأجيال الجديدة على الانخراط في مجالات البحث والابتكار، بما يحقق التنمية والتقدم في الوطن العربي.
- محتاج شرح من حضرتك عن مشروعك الذي حصلت من خلاله على جائزة الألكسو، وما أبرز أهدافه ونتائجه؟
مشروعي الذي حصلت بفضله على جائزة الألكسو يركز على تطوير مواد متقدمة لاستخدامها في تنقية المياه، بهدف معالجة مشكلة تلوث المياه وتوفير تقنيات مستدامة واقتصادية لتنقية المياه في المناطق التي تعاني من نقص الموارد.
وتحدث عن فكرة المشروع قائلًا:
اعتمد المشروع على تصميم مواد نانوية تسمي زيولاتك اميدوزلات ZIF-67 اختصارا وهي تمتاز بخصائص كيميائية وفيزيائية فريدة، تتيح لها امتصاص وإزالة الملوثات مثل المعادن الثقيلة، والمركبات العضوية السامة، والبكتيريا. المواد التي استخدمتها تم تعديل سطحها لتحسين تفاعلها مع الملوثات، وتم اختبارها للتأكد من فعاليتها في تنقية المياه ضمن بيئات مختلفة.
وتطرق إلي أبرز أهداف المشروع ونلخصها كالآتي:
1. تطوير مواد نانوية فعالة وذات كفاءة عالية: تتمثل الفكرة الأساسية في تصنيع مواد اقتصادية وقابلة للتطبيق في تنقية المياه، بحيث تكون قادرة على التعامل مع مجموعة متنوعة من الملوثات.
2. تصميم حلول مستدامة: المواد التي طورناها قابلة لإعادة الاستخدام بعد التنقية، ما يجعلها خيارًا صديقًا للبيئة وأقل تكلفة على المدى الطويل.
3. إجراء اختبارات عملية: تم اختبار فعالية هذه المواد في بيئات مائية تحتوي على ملوثات شائعة مثل الكادميوم والرصاص، وأظهرت نتائج ممتازة من حيث القدرة على إزالة نسب عالية من هذه الملوثات.
4. توسيع نطاق التطبيقات: على المدى الطويل، نهدف إلى توسيع نطاق استخدام هذه المواد ليشمل مجالات مثل معالجة مياه الصرف الصناعي والزراعي، مما يفتح فرصًا كبيرة للتطبيقات في البيئة والطاقة.
وتطرق الدكتور هاني ناصر إلى نتائج المشروع حيث قال:
أثبتت التجارب الأولية أن المواد المستخدمة قادرة على إزالة نسبة تزيد عن 90% من بعض الملوثات خلال فترة زمنية قصيرة، مما يثبت كفاءتها وفعاليتها. كما أظهرت المواد ثباتًا كيميائيًا جيدًا عند إعادة استخدامها في عدة دورات، مما يعزز من قيمتها كحل اقتصادي ومستدام.
وأضاف الدكتور هاني ناصر: أتطلع إلى تبادل الأفكار حول إمكانية تحسين هذه المواد أو توسيع نطاق تطبيقاتها لتشمل المزيد من المجالات، مثل الطاقة المتجددة أو معالجة الملوثات في الأوساط الطبية.
- ما الدوافع التي جعلتك تختار هذا الموضوع بالتحديد، وكيف ترى تأثيره على المجتمع أو الصناعة؟
أجاب الدكتور هاني ناصر: اختياري لهذا الموضوع جاء من دوافع عديدة، تتعلق بالاحتياجات الملحة للمجتمعات التي تعاني من نقص المياه النظيفة، والتحديات البيئية التي تهدد مصادر المياه بشكل مستمر. بالإضافة إلى ذلك، خبرتي في علوم المواد دفعتني للتفكير في كيفية تسخير هذه المعرفة لإيجاد حلول تطبيقية تخدم المجتمع وتساهم في معالجة مشكلات واقعية.
- هل لديك مشاريع بحثية جديدة تطمح لتحقيقها في المستقبل القريب؟
أجاب الدكتور هاني ناصر: نعم خصوصا فيما يتعلق بالتصنيع والإنتاج علي مستوي صناعي وتطبيقي كبير وهو مايسمي Large Scale Production
- ما هي رؤيتك الشخصية لمستقبل المجال الذي تعمل فيه؟
أجاب الدكتور هاني ناصر: في المستقبل، أتوقع أن يشهد مجال علوم المواد تقدمًا هائلًا في عدة اتجاهات رئيسية، خاصة فيما يتعلق بتطبيقاتها في الطب والبيئة والطاقة.
- هل لديك رسالة تود توجيهها للباحثين الشبان الذين يطمحون لتحقيق إنجازات مماثلة؟
أجاب الدكتور هاني ناصر: أوجه رسالتي للباحثين الشبان الذين يطمحون لتحقيق إنجازات مماثلة في مجال علوم المواد بان النجاح يحتاج الي التعلم المستمر حيث ان مجال علوم المواد يتطور بسرعة، لذا فإن الاستمرار في التعلم واكتساب المعرفة الجديدة هو أمر حيوي.
أضاف: لا تخافوا من التفكير خارج الصندوق. العديد من الاكتشافات والإنجازات الكبرى في علوم المواد حدثت نتيجة لتجربة أفكار غير تقليدية أو خوض مجالات جديدة. كونوا شجعانًا في استكشاف أفكار جديدة وابتكار حلول لتحديات العصر.
أردف قائلًا التعاون مهم جدا حيث أن العالم اليوم أصبح مترابطًا، والتعاون بين الباحثين من مختلف التخصصات يمكن أن يثمر عن نتائج غير متوقعة.
ووجه رسالته للباحثين الشبان قائلًا: انفتحوا على التعاون مع الزملاء من مجالات مختلفة – فالتفاعل بين علوم المواد، الطب، البيئة، والهندسة يمكن أن يؤدي إلى حلول مبتكرة ومؤثرة، ولا تقتصروا على البحث من أجل المعرفة فحسب، بل اعملوا على جعل أبحاثكم تؤثر بشكل إيجابي على المجتمع والبيئة.
لفت الدكتور هاني ناصر: ابحثوا عن كيفية تطبيق اكتشافاتكم في تطوير حلول عملية للتحديات الكبرى التي تواجه البشرية في مجالات مثل الصحة والطاقة والبيئة.التحلي بالصبر والإصرار والبحث عن فرص جديدة.
وأوضح الدكتور هاني ناصر: لا تنسوا أن الشغف بما تقومون به هو الوقود الذي سيدفعكم للأمام. اعملوا بجد، وكونوا طموحين، واستمتعوا بالرحلة العلمية.
في ختام الحوار مع الدكتور هاني ناصر لا يسعنا إلا أن نعبر عن فخرنا واعتزازنا بوجود باحثين مصريين مبدعين يسهمون في رفع اسم مصر عاليًا في المحافل الدولية، ونتمني له مزيدًا من التوفيق في مسيرته البحثية وأن يكون هذا الإنجاز خطوة نحو إنجازات أكبر في مجالات الإبداع والابتكار.
أخبار متعلقة :