مجلة مباشر الاخبارية

حوادث الطرق.. أو حينما يتسبب سلوك متهور في تغيير مسار حياة كثيرين إلى الأبد

لم تكن سميرة (34 ربيعا) تتصور يوما أنها ستصاب بعاهة مستديمة ستفرض عليها مواجهة أعباء حياتها اليومية بيد واحدة، بعد أن تسبب نوم سائق الحافلة التي كانت تستقلها ذات يوم من أيام سنة 2015، في مصرع عدد من الركاب وإصابة آخرين كانت من بينهم.

وبينما يخلد المغرب اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا حوادث الطرق، الذي يصادف كل ثالث يوم أحد في شهر نونبر من كل سنة، تفرض التوعية بسبل تجنب آفة حوادث السير نفسها أكثر من أي وقت مضى، بالنظر إلى ما تسببه من انعكاسات نفسية واجتماعية وجروح لا تندمل.

وتمثل قصة سميرة واحدة من تلك القصص المؤلمة حيث تستعيد، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، صور رحلتها تلك التي كان يفترض أن تكون عودة سعيدة بعد أن أمضت نهاية عطلة الأسبوع بأكادير مع أفراد من أسرتها، غير أن الحافلة انقلبت بسبب نوم السائق لتنقلب معها حياتها رأسا على عقب.

في البدء، لم تستوعب سميرة ما حدث لها، بعد أن تعرضت لإصابة خطيرة على مستوى يدها اليسرى، اضطر معها الأطباء إلى بتر اليد، بعد عملية جراحية استغرقت ست ساعات.

تقول سميرة، وهي من ضحايا حوادث السير الكثر، : "بكيت طويلا، قبل أن أتقبل الأمر، أليس يقال إن التقبل جزء من عملية التعافي؟"، لتقرر بعد ذلك مواجهة الحياة والناس بحالتها الجديدة، بل وتشاطرهم تجربتها، بعد أن كتبت، وهي التي تواصل دراستها في سلك الدكتوراه إلى جانب ممارسة عملها، مقالا تقاسمت فيه قصتها الشخصية، ووجدت تجاوبا كبيرا من آخرين يعيشون تحديات مماثلة.

قصة سميرة ما هي إلا واحدة من قصص أشخاص كثيرين غيرت حوادث السير مسارات حياتهم إلى الأبد، والتي غالبا ما يكون سائقو العربات سببا فيها، حيث أفادت إحصائيات الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية بأن 77.5 في المائة من حوادث الطرق المميتة خلال سنة 2023، ترجع إلى عدم انتباه السائقين. وهو وضع لا يقتصر على المغرب بطبيعة الحال.

وخلال ذات السنة تم تسجيل 123 ألفا و274 حادثة سير بدنية، أسفرت عن وفاة ثلاثة آلاف و819 شخصا، فيما تعرض 11 ألفا و 686 آخرين لإصابات خطيرة.

وتمثل الشريحة العمرية ما بين 20 و29 سنة، أكثر الفئات التي تقع ضحية حوادث الطرق، من حيث عدد القتلى، ويمثل الرجال أعلى نسبة، بستة أضعاف مقارنة بالنساء، حيث توفي (3254)، مقابل 558 من النساء.

ومثلت حوادث الاصطدام بين عربتين ما مجموعه 42 في المائة من الحوادث المميتة بالمغرب خلال سنة 2023، وتم تسجيل 558 جريحا، إصابتهم خطيرة في حوادث شملت سائقين مبتدئين.

وبخصوص العوامل المؤثرة في سلوك بعض السائقين على الطرق، أكد الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، أن الحديث عن مسؤولية السائق يفترض "أننا نتحدث عن مواطن في بيئة إجتماعية لها مالها وعليها ما عليها، ذلك أن هذا الأخير، عندما يكون في وضعية سياقة لا يعني أنه انفصل عن هذه البيئة، بل ينقلها معه إلى مركبته بشكل مباشر، وفي بعض الأحيان بطريقة غير واعية".

وميز بنزاكور، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بين عاملين يتحكمان في سلوك السائق، منهما العامل النفسي، حيث إن الشخص الذي ينتظر رسالة معينة أو اتصالا مهما وهو يقود عربته، على سبيل المثال، يقل انتباهه على مستوى القيادة، فضلا عن تأثير العلاقات الأسرية والعملية وغيرها...

ويضيف السيد بنزاكور أن هناك أيضا العامل الاجتماعي، والذي يتمثل في الأنانية التي يصاب بها بعض الأشخاص أثناء القيادة، وتراجع التضامن الاجتماعي بمفهومه اليومي، مشيرا إلى أن "السياقة تتطلب التحلي بقيم التسامح والتضامن".

وشدد على أن التحسيس لوحده لا يكون كافيا "فبناء إنسان متوازن يبدأ من الحياة العامة، وهنا يبرز دور الأسرة، لأن هذه الأخيرة تكون في بعض الأحيان مسؤولة عن تنشئة الطفل على التمركز على الذات، مما ينعكس على سلوكياتنا اليومية، ثم على السياقة".

ومن جهة أخرى، أكد مدير قطب التواصل والتربية والوقاية الطرقية بالوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، عبد الصادق معافة، أن تدبير ملف السلامة الطرقية بالمغرب ينبني على رؤية شمولية سطرتها الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية للعشرية 2017-2026.

وترتكز هذه الرؤية - يقول السيد معافة في تصريح مماثل-، على توفير منظومة طرقية آمنة وسلوك طرقي مسؤول لكافة مستعملي الطريق خصوصا بالنسبة للفئات عديمة الحماية من الراجلين ومستعملي الدراجات ثنائية وثلاثية العجلات - والأطفال أقل من 14 سنة، وكذا بالنسبة للنقل المهني.

وأشار إلى أن التعاطي مع هذه المعضلة يستدعي نفسا طويلا وتعبئة شاملة من أجل ترسيخ ثقافة حقيقية للسلامة الطرقية وتأطير سلوك مستعملي الطريق، لأن العامل البشري يظل عاملا محوريا في تحسين شروط السلامة الطرقية.

ويرتكز برنامج عمل الوكالة في شقه المرتبط بتحسين شروط السلامة الطرقية، برسم سنة 2024 على إعداد مخطط عمل جديد للسلامة الطرقية للفترة القادمة في إطار تنفيذ الدراسة المتعلقة بتقييم نتائج تنفيذ المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية 2017-2026، ومواصلة التعبئة على المستوى الجهوي والمحلي من أجل متابعة تنفيذ برامج العمل الجهوية للسلامة الطرقية، إلى جانب مواصلة تنفيذ البرامج الهيكلية (الحافلة الآمنة، الدراجة الآمنة، تجديد الحظيرة وتكوين السائقين المهنيين...).

وأكد السيد معافة أن الوكالة تعمل على الاستثمار في تحسين سلامة البنيات التحتية الطرقية من أجل تحسين مؤشرات السلامة الطرقية، من خلال انجاز مشاريع في إطار الشراكة مع الجماعات الترابية واعتماد مقاربة جديدة في معالجة المقاطع الطرقية التي تعرف تمركزا لحوادث السير، ثم تطوير نظام معلوماتي متكامل بالتنسيق مع كل المتدخلين لتجميع واستغلال بيانات حوادث السير.

ويشكل تخليد اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا حوادث الطرق، الذي يخلد كل ثالث يوم أحد في شهر نونبر من كل سنة، فرصة مناسبة للفت الانتباه إلى الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية لحوادث الطرق، ومن أجل التفكير في معاناة الضحايا وتوفير آليات الدعم لهم، وتعزيز جهود التوعية والتحسيس للسائقين ومستعملي الطرق من أجل الحد من آثار هذه الآفة.

(إعداد : سعاد اهريرش)

أخبار متعلقة :