الجامعات هي مَرايا المجتمعِ، ينعكسُ عليها واقعُه ومعاناتُه، لكن لأنها مركزُ التفكيرِ العلمي فإن واجبَها يجبُ أن يتجاوزَ المُعاناةَ إلى المُصارحةِ مع الذاتِ للقيامِ وقوفًا. سأعرِضُ لظواهرٍ تجتاحُ جامعاتِنا بقسوةٍ ويراها كثيرون وعنها يتحاكون ومنهم من بسببِها تباعدوا.
الأصلُ في الجامعاتِ جماعيةُ الإدارةِ بمعنى أن القراراتِ تُدرَسُ في مجالسِ الأقسامِ باعتبارِها أصلُ التخصصاتِ ثم تُرفعُ لمجلسِ الكليةِ وأخيرًا لمجلسِ الجامعةِ، لكن اِنقرَضَ هذا المبدأُ. اللوائحُ تُفرضُ من أعلى، من لجانِ القطاعاتِ بالمجلسِ الأعلى للجامعاتِ وغيرِها. فمثلًا رُفِعَت أعمالُ السنةِ في القطاعِ الهندسي حتى ٥٠% من مجموعِ درجاتِ كلِ مادةٍ، بحجةِ ألا يتوقفُ مصيرُ الطالبِ على الاِمتحانِ النهائي. منطقٌ ظاهرُه الرحمةُ وباطنُه تمييزٌ وتفرقةٌ. فمن نسى أن ترتيبَ الطلابِ قبلَ اللجوءِ للمجموعِ التراكمي كان يُحسَبُ على درجاتِ السنةِ النهائيةِ، وهو ما كانَ فيه رفعُ أعمالِ السنةِ لطلابٍ بعينِهم وتقليلِها لغيرِهم، وبالتالي اِستُبعِدَ كثيرون؛ وهو ما تم تلافيه باللجوءِ للمجموعِ التراكمي حيث ترتيب الطلاب وفقًا لمجموعِهم في السنواتِ الدراسيةِ كلِها. والآن مع ٥٠٪ لأعمالِ السنة ألن يعودُ الفرزُ؟ ألن تُرفعُ درجاتُ أعمالِ السنةِ لطلابٍ وتنكمِشُ لغيرِهم؟؟ أين الضوابطُ؟؟
ويتفاقمُ الاِنعزالُ الإداري في الكلياتِ لتلاشي دورِ مجالسِ الأقسامِ، فلم تعُدْ قراراتُها محلَ اِعتبارٍ وما عادَت تُعرَضُ عليها موضوعاتٌ ذاتُ أهميةٍ، وأصبحَ كثيرون من رؤساءِ مجالِسِها مع اِنعدامِ رأيِهم مُجردَ ناقلي مراسيلٍ Messengers، ينقلون تعليماتِ الإدارةِ دون رأي الأقسامِ تحَسبًا لعدمِ التجديدِ لهم.
أضِفْ كراهيةً غيرَ سويةٍ من بعضِ الأصغرِ للأكبرِ، وكأنهم عقباتٌ تعوقُهم، وهو ما يبثُ قلقًا حقيقيًا على مستقبلِ الجامعاتِ لما تكونُ المسؤوليةُ لهم، فهم يعلمون أن الأكبرَ على درايةٍ بالكثيرِ عنهم؛ فيهم من يتوقون لكرسي، من الضروري ظهورُهم وإزالةُ ماضيهِم
الدراساتُ العليا
أما الدراساتُ العليا، لا خُطَطُ أبحاثٍ لها في الأقسامِ إنما خُطَطُ مصالحٍ وتربيطاتٍ بين المشرفين من ناحيةٍ ومع الطلابِ من ناحيةٍ أخرى. عشراتُ التخصصاتِ العلميةِ بلا أبحاثٍ لأن مشرفيها بعيدون عن الشلليةِ ووعودِ الإنجازِ السريعِ للرسائلِ بالقدرِ الأدنى من المجهودِ. مدارسٌ علميةٌ مُدعاةٌ بعددِ الرسائلِ الممنوحةِ أيًا كانت قيمتُها. حتى من هم في إعاراتٍ داخليةٍ ونادرًا ما يدخلون الكلياتِ يستحوذون على رسائلٍ وكلُه بالمحبةِ وتغاضي الإداراتِ عن وجوبِ تطبيقِ قواعدِ إشرافٍ علميٍ حقيقيةٍ عادلةٍ. وعن طريقِ تسجيلاتِ الدراساتِ العليا تأتي الجوائزُ، والحبايبُ عندهم منها الكثيرُ.
الإعاراتُ فيها من الغَبنِ الكثيرُ، قواعدُها ومُدَدُها تتغيرُ من فترةٍ لأخرى، والمهامُ القوميةِ لعقودٍ تحجُبُها عن الكثيرين ولو كانت لجامعاتٍ أهليةٍ وخاصةٍ. أعضاءُ هيئةِ تدريسٍ في مهامٍ قوميةٍ مفتوحةٍ ورواتبٍ وجوائزٍ، وزملاؤهم مُنتظرون مُتفرجون!!
ثم، الاِنجرارُ وراءَ تصنيفاتِ الجامعاتِ وكأنها الإنجازَ كلَه ومعها الجودةُ الورقيةُ واِستبياناتٌ توزِعُها على الطلابِ فتثيرُ إحباطَ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ بتحميلِهم أخطاءِ وتوابعِ لوائحٍ لم يؤخذُ فيها رأيُهم وغضبِ طلابٍ يريدون الأسهلَ.
المالُ يوصلنا لمحطةِ السنةِ التأسيسيةِ لطلابِ الثانويةِ العامةِ غيرِ المُحَقِقين للحدِ الأدنى للالتحاقِ بالجامعاتِ الخاصةِ والأهليةِ؛ أهو اِستثمارٌ جديدٌ لتمييزِ من معهم المالُ لا الكفاءةُ؟؟
الجامعاتُ رأيٌ. نحن في مركَبٍ واحدٍ لابدَ أن يتسعَ لكلِ رأيٍ.
اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز،،
ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي
أستاذ هندسة الحاسبات بهندسة عين شمس
أخبار متعلقة :