وكالة زهوة برس للأنباء

تغيير التوقيت واقتصاد الطاقة .. هل يستحق الأمر كل هذ العناء؟

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تغيير التوقيت واقتصاد الطاقة .. هل يستحق الأمر كل هذ العناء؟, اليوم الأربعاء 30 أكتوبر 2024 11:38 صباحاً

مع اقتراب موعد التغيير السنوي للتوقيت الشتوي الذي يكون عادة في شهر أكتوبر من كل عام، يتجدد الجدل بشأن قرار تعديل الساعة، وهل هو فعلاً يحقق فوائد للاقتصاد أم أنه عبء إضافي عليه؟

 

فبين ليلة وضحاها، يفقد وقت النهار 60 دقيقة في العديد من الدول حول العالم، ليزداد الليل طولاً، ويبدأ الناس في محاولة التأقلم مع نمط جديد لعملهم وحياتهم اليومية.

 

لكن خلف هذه الساعة الناقصة تكمن تغييرات قد تبدو غير مرئية، لكن  لها أثر على الاقتصاد، بدءاً من الإنتاجية في العمل، وصولاً إلى فاتورة الطاقة.

 

 

وتُظهر العديد من الدراسات في أوروبا والولايات المتحدة أن التوقيت الصيفي الذي يتقدم فيه الوقت بنحو 60 دقيقة قبل أن يعود لأصله في شهر أكتوبر، له تأثير ضئيل للغاية على الحفاظ على الطاقة.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

ويطبق نحو ثلث دول العالم، أغلبها ضمن أوروبا وقارتي أمريكا الشمالية والجنوبية، هذا النظام، في وقت تتزايد فيه الدعوات لإلغائه لضعف نتائجه مقابل الارتباك والحيرة الذي يتسبب فيه لكثير من الناس.

 

بداية قصة تغير الساعة

 

يشتهر لدى الكثيرين أن ألمانيا والنمسا كانتا أول من طبق التوقيت الصيفي في عام 1916، إلا أن الحقيقة التي لا يعرفها هؤلاء أن بضع مئات من الكنديين سبقوا هاتين الدولتين بثماني سنوات.

 

ففي الأول من يوليو عام 1908، قام سكان بورت آرثر ببلدة أونتاريو الصغيرة -تعرف اليوم باسم ثاندر باي- بتقديم ساعاتهم بمقدار ساعة واحدة، ليبدأ أول تطبيق عملي للتوقيت الصيفي في العالم.

 

وسرعان ما حذت مواقع أخرى في كندا حذو تلك البلدة، لتتبنى تلك المناطق هذا النظام في أبريل 1914، ويلقى شعبية بين سكان هذه الأماكن.

 

ولكن الفكرة لم تنتشر على مستوى العالم حتى قامت الإمبراطورية الألمانية حينها، وحليفتها النمسا، بتقديم الوقت بمقدار ساعة واحدة في 30 أبريل 1916، أي بعد عامين من بدء الحرب العالمية الأولى.

 

وكان الهدف من وراء ذلك هو تقليل استخدام الإضاءة لتوفير الوقود للمجهود الحربي.

 

وفي غضون أسابيع قليلة، اتبعت المملكة المتحدة وفرنسا والعديد من البلدان الأخرى الفكرة، إلا أن معظمها توقف عن استخدام التوقيت الصيفي بعد الحرب العالمية الأولى.

 

ولم تعد فكرة التوقيت الصيفي للانتشار في معظم أنحاء أوروبا مرة أخرى إلا في الحرب العالمية الثانية.

 

كيف بدأت فكرة التوقيت الصيفي؟

 

إذا كنت تعتقد أن التوقيت الصيفي فكرة جيدة، فيمكنك أن تقدم الشكر لكل من العالم النيوزيلندي "جورج هدسون" والبريطاني "ويليام ويليت".

 

ففي عام 1895، قدم "هدسون" ورقة إلى الجمعية الفلسفية في ويلينغتون، اقترح فيها تقديم ساعتين إلى الأمام في أكتوبر وساعتين إلى الخلف في مارس، ولاقت الفكرة اهتماماً كبيراً حينها، لكنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ أبداً.


* الأزرق الداكن للدول التي تطبق نظام تغيير التوقيت بكل مناطقها

* الأزرق الفاتح للدول التي تطبق نظام تغيير التوقيت ببعض مناطقها

*الخريطة تعتمد على بيانات 2023

 

وفي عام 1905، اقترح البريطاني "ويليام ويليت" الذي كان يعمل بمجال البناء، بشكل مستقل عن "هدسون"، تقديم الساعات بمقدار 20 دقيقة في كل يوم أحد من شهر أبريل أي على مدار أربعة أسابيع، وإعادتها بالمقدار نفسه في كل يوم أحد في شهر سبتمبر من العام نفسه، بإجمالي ثماني عمليات تبديل للوقت في السنة.

 

ورغم صعوبة تطبيق اقتراح "ويليت" للاستفادة من ضوء النهار فإنه لفت انتباه "روبرت بيرس"، عضو البرلمان البريطاني، وبالفعل قدّم مشروع قانون إلى مجلس العموم في فبراير 1908.

 

ورغم تقديم القرار عدة مرات للتصويت عليه فإن القانون لم يلقَ قبولاً وعارضه العديد من الناس، خاصة المزارعين.

 

وتوفي "ويليت" في عام 1915، أي قبل عام من بدء المملكة المتحدة تطبيق التوقيت الصيفي في مايو 1916، ومن غير المعروف إذا كان علم بأن فكرته أصبحت حقيقة قبل سبع سنوات من وفاته في بلدة صغيرة في كندا أم لا.

 

تغيير الساعة هل يوفر في الطاقة؟

 

أحد أكبر الأسئلة التي يصعب الإجابة عليها بشكل قاطع حتى الآن هو ما إذا كان التوقيت الصيفي يقلل بالفعل من استهلاك الطاقة أم لا.

 

وكان الهدف من وراء بدء العديد من الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم تطبيق فكرة التوقيت الصيفي والشتوي هو توفير الطاقة.

 

ورغم إلغاء المملكة المتحدة لفكرة تقديم الساعة لسنوات عديدة، لكنها عادت إليه خلال الثمانينيات من القرن الماضي بهدف توفير الطاقة، مدفوعة بأزمة النفط العالمية حينها.

 

ومنذ عام 2002، كان على جميع دول الاتحاد الأوروبي -باستثناء أيسلندا- تعديل ساعاتها في الأحد الأخير من مارس وأكتوبر.

 

وتُظهر العديد من الدراسات في أوروبا والولايات المتحدة أن التوقيت الصيفي له تأثير ضئيل للغاية على الحفاظ على الطاقة.

 

 

ففي إيطاليا، أظهرت حسابات الجمعية الإيطالية للطب البيئي أن تأجيل تغيير الساعة من نهاية أكتوبر إلى نهاية نوفمبر من شأنه أن يوفر للبلاد 70 مليون يورو في فواتير الوقود.

 

كما وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة تشارلز في براغ بناء على بيانات في الفترة من 2010 إلى 2017، أن التوقيت الصيفي في سلوفاكيا أدى إلى توفير طاقة تقديري يعادل 0.8% فقط من استهلاك الكهرباء السنوي.

 

وفي الولايات المتحدة، أظهرت دراسة أجرتها وزارة النقل في عام 1975 أن التوقيت الصيفي خفض نحو 1% من استخدام الطاقة في البلاد.

 

في حين لاحظت دراسة نُشرت عام 1993 حول استهلاك الوقود في فرنسا وبلجيكا زيادة في استهلاكه مع التوقيت الصيفي بسبب ساعات القيادة الإضافية.

 

كما أوضح تقرير صادر عن وكالة الطاقة الأوروبية مؤخراً، أن تعديل الوقت قد لا يؤدي إلى انخفاض كبير في استهلاك الطاقة كما كان يُعتقد سابقاً، خاصة مع ازدياد اعتماد الشركات والأسر على التقنيات الموفرة للطاقة.

 

تأثيرات اقتصادية عديدة أخرى

 

أشارت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد إلى أن التغيير المفاجئ في التوقيت يمكن أن يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في إنتاجية الموظفين خلال الأيام الأولى من تطبيق التوقيت الشتوي، حيث يحتاج العديد منهم إلى أيام للتكيف مع التغيير في نمط النوم.

 

هذا التراجع في الإنتاجية يتحول غالباً إلى خسائر مالية في الشركات، لا سيما في القطاعات التي تعتمد على الأداء الذهني.

 

 

كما أثبتت دراسات مثل تلك التي أجرتها جامعة شيكاغو أن التغييرات في التوقيت تؤثر على أداء أسواق المال، حيث تميل التداولات إلى التباطؤ مع بداية العمل بالتوقيت الشتوي.

 

وقد يعود ذلك التباطؤ بشكل كبير إلى اضطراب الساعة البيولوجية للمتداولين، ما يؤثر على قراراتهم الاستثمارية بشكل غير واعٍ.

 

كما يعاني قطاع النقل من التحديات التي يجلبها التوقيت الشتوي، حيث تؤثر ساعات الظلام الطويلة على حركة الشحنات وجدولة الرحلات.

 

بالإضافة إلى ذلك، قد تتزايد الحوادث على الطرق خلال فترة التغيير بسبب نقص الإضاءة والتغير في النمط اليومي للسائقين.

 

لذا أصبحت عدة دول تفكر في إلغاء التوقيت الشتوي بشكل نهائي، والإبقاء على التوقيت الصيفي طوال العام.

 

في المقابل ألغت العديد من دول العالم على مدار العقد الماضي تطبيق نظام التوقيت الصيفي لأسباب مختلفة، ومن بينها أذربيجان وإيران والأردن وروسيا وسوريا وتركيا وأوروغواي.

 

وفي القارة السمراء عادت مصر لتطبيق نظام التوقيت الصيفي في عام 2023، وذلك بعد توقف دام لسبع سنوات، لتصبح الدولة الأفريقية الوحيدة التي تطبق هذا النظام.

 

جدل تغيير الساعة

 

تعني نهاية التوقيت الصيفي ساعة إضافية في السرير، وصباحاً أكثر إشراقاً، لكن من ناحية أخرى، سيحل الظلام بشكل أسرع في المساء، حيث تغرب الشمس في لندن على سبيل المثال قبل حلول الساعة الخامسة.

 

ولسنوات، كان الاتحاد الأوروبي يناقش ما إذا كان سيتخلص من التوقيت الصيفي تماماً، ويرجع ذلك جزئياً إلى التوفير المحدود للطاقة من تغيير الساعات.

 

واقترحت المفوضية الأوروبية في عام 2018 رسمياً إلغاء تغيير الساعة مرتين في السنة، وأيد البرلمان هذا الاقتراح في قرار في مارس 2019

.

جاء ذلك بعد أن أظهرت استطلاعات أجرتها المفوضية دعماً قوياً من نحو 4.6 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي لإلغائه.

 

وكان من المفترض أن تأتي التغييرات بحلول عام 2021، لكنها ظلت عالقة ولم يطبق الاقتراح.

 

 

وفي عام 2023 تجدد الأمر بعد أن طلب الخبراء من مجلس الاتحاد الأوروبي إضافة موضوع إلغاء تغيير التوقيت إلى جدول أعماله.

 

وكان مؤيدو الاقتراح يأملون في معالجة هذه القضية قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو الماضي، لكن هذا لم يتحقق، ويبدو أن قضية التوقيت الصيفي عادت إلى الخلفية.

 

وذلك على الرغم من الحملة التي شنتها مبادرة "استخدام الوقت"، التي أطلقت في السابق بياناً دعت فيه الاتحاد الأوروبي لاتخاذ عدة إجراءات لضمان "الحق في الوقت" لجميع الأوروبيين، ومن بينها إلغاء تغيير الساعة.

 

وتعتبر المبادرة أن تعديل الوقت بشكل يجعل بدء دورة الليل والنهار على نحو غير طبيعي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة اضطرابات النوم ويتسبب في آثار سلبية على صحة الإنسان والاقتصاد والسلامة.

 

المصادر: أرقام- بلومبرج- تايم اند ديت- الموسوعة البريطانية- جامعة ستانفورد- جامعة شيكاغو- بي بي سي

أخبار متعلقة :