دمشق-سانا
نظمت اليوم مديرية المسارح والموسيقا محاضرة للكاتب المسرحي “جوان جان”، بعنوان “صفحات منسية من تاريخ المسرح السوري”، والتي تأتي ضمن احتفالية أيام الثقافة السورية، وذلك على خشبة مسرح القباني بدمشق.
وبين جان أن تجربة رائد المسرح السوري والعربي أحمد أبو خليل القباني حظيت باهتمام بالغ من قبل مؤرخي المسرح السوري والعربي، وكتبت دراسات عديدة وصدرت كتب كثيرة عن تجربته الصعبة والمثيرة بمشاكلها وعثراتها إلا أن هناك بعض الصفحات التي لم يتم ذكرها في تاريخ المسرح السوري.
واستعرض جان بعض الزوايا والصفحات المنسية من تاريخ المسرح السوري وبعض المعلومات واللمحات التي أصبحت اليوم طيّ النسيان ولم يعد يتذكرها أحد، وهي صفحات محدودة العدد إذا ما قورنت بالذاكرة الغنية للحركة المسرحية السورية.
وأوضح جان أن تجربة القباني لم تولد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من فراغ بل سبقتها بعشرات السنوات تجارب محدودة فيما عرِف بمسرح خيال الظل الذي عرفته مقاهي دمشق وحلب، والذي اطلع عليه القباني قبل الشروع بمغامرته المسرحية، مبيناً أن الوثائق تشير إلى أن مسرح خيال الظل وصل إلى المنطقة العربية قادماً من الشرق الأقصى في أواخر القرن التاسع وبداية القرن العاشر.
وشهدت تلك المرحلة من عشرينيات القرن الماضي من تاريخ المسرح السوري نشاطاً ملحوظاً للفرق المسرحية المدرسية في حلب تحديداً التي ما زلنا في إطار الحديث عن دورها في الحركة المسرحية السورية ففيها ظهرت فرق مسرحية عديدة قدمت عدداً كبيراً من العروض المسرحية التي جوبهت بسلوك قمعي من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي نظراً لما كانت تقدمه من عروض ذات طابع وطني.
وبين جان أنه بالتوازي مع هذا الحراك المسرحي الثري في مدينة حلب كان هناك حراك مماثل وإن بشكل أقل في مدينة حمص، وقد برز في تلك المرحلة اسم الفنان المسرحي مراد السباعي كاتباً وممثلاً ومخرجاً الذي يعتبَر رائداً من رواد الحركة المسرحية السورية في المرحلة التي تلت مرحلة القباني مباشرة.
ولفت جان إلى أن المسرح في دمشق كان يشهد حركة لافتة للنظر على صعيد محاولات البحث عن نص مسرحي سوري يعكس واقع المجتمع السوري، وقد جهدت بعض المجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت في إيجاد هذا النص عن طريق إقامة مسابقات في الكتابة المسرحية، ومن الأسماء التي أفرزتها هذه المسابقات الكاتبان مصطفى الحلاج وحسيب كيالي.
وأشار إلى أن الفنانين المسرحيين في الخمسينيات بدمشق كانوا متوزعين على العديد من الفرق والنوادي المسرحية مترقبين تأسيس كيان مسرحي رسمي يضمهم جميعاً ويضمن حقوقهم المادية والمعنوية فلما جاء عام 1960 كان فنانو دمشق المسرحيون على موعد مع تأسيس المسرح القومي في وزارة الثقافة وهو المسرح الذي جمع شملهم وأتاح المجال أمامهم لتقديم أعمال بسوية فكرية وفنية رفيعة.
في هذه الفترة التي تألق فيها المسرح القومي بدمشق تعددت المطالبات من قبل فناني المسرح في حلب بتأسيس كيان مسرح رسمي خاص بهم أسوة بفناني المسرح القومي في دمشق، حيث إن بلدية حلب أخذت على عاتقها تأسيس هذا المسرح الذي جاء تحت مسمى مسرح الشعب، إذ استمرت مسيرته حتى عام 1976 مقدماً أكثر من خمسة عشر عملاً مسرحياً.
ومع حلول عقد السبعينيات، أوضح جان أن المسرح في دمشق كان قد بلغ ذروة نشاطه كمّاً وكيفاً، فقد شهد عدداً من المحطات المهمة في رحلة المسرح السوري، أبرزها تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية، وتوالي إقامة دورات مهرجان دمشق المسرحي إضافة الى تأسيس مجلة “الحياة المسرحية” وازدهار عروض المسرح الشعبي.
وأشار جان إلى أنه بالتوازي مع تنامي ظاهرة مسرح القطاع الخاص استمر مسرح دمشق القومي بتقديم أعماله التي برزت من بينها العديد من المسرحيات، وقد تألقت في هذه العروض نخبةُ من ممثلي المسرح القومي منهم يعقوب أبو غزالة الذي يعتبر من جيل الرواد في المسرح السوري.
وتابع جان: إن عقد السبعينيات شهد أيضاً انطلاق عروض مهرجان المسرح العمالي، ففي العام 1975 صدر قرار بإنشاء فرق مسرحية عمالية، ومن ثم إقامة مهرجان مسرحي لهذه الفرق.
وبعيداً عن نشاطات مسارح المنظمات الشعبية، أوضح جان أن مديرية المسارح والموسيقا عملت على تعزيز حضورها على الساحة المسرحية السورية، حيث قامت في النصف الثاني من السبعينيات بإنشاء ما سمي بالمسرح التجريبي.
ومن أهم الظواهر المسرحية في عقد السبعينيات برز مهرجان مسرح الهواة الذي كانت تقيمه وزارة الثقافة، وقد عُقدت دوراته الأربع الأولى في دمشق بينما أقيمت دوراته الأربع اللاحقة في حلب.
وبين جان أنه يجمع متابعو الحركة المسرحية السورية على أن الدورة السابعة من المهرجان كانت من أهم وأنجح دوراته، وقد أقيمت في شهر أيلول عام 1977 ووصل عدد العروض المشاركة فيها إلى أربعة عشر عرضاً من مختلف المحافظات السورية.
واختتم الكاتب المسرحي جوان جان بأن تلك كانت صوراً محدودة ومنتقاة من تاريخ غني وواسع يتمتع به المسرح السوري الذي هو بحاجة اليوم إلى جهود جماعية لأرشفته وحفظه، وتسجيل ما خفي من تفاصيله وما نُسي من أسماء أعلامه ومؤسسيه ومبدعيه.
شذى حمود
متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgen