مجلة مباشر الاخبارية

ضرورة ترشيد مسار «النظام العالمي» الجديد...؟!

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ضرورة ترشيد مسار «النظام العالمي» الجديد...؟!, اليوم الأحد 1 ديسمبر 2024 02:32 صباحاً

ضرورة ترشيد مسار «النظام العالمي» الجديد...؟!

نشر بوساطة صدقة يحيى فاضل في عكاظ يوم 01 - 12 - 2024


يهتم الناس -محقين- بالنظام العالمي القائم في أيامهم، نظراً لتأثيره، المباشر وغير المباشر، على كل البشرية. ولا شك أن غالبية العالم، وخاصة الدول النامية، مستاءة من المسار السياسي الذي اتخذه النظام العالمي الراحل، بقيادة القطب الأمريكي. فهذا النظام كثيراً ما كان ظالماً ببعض أطراف العلاقات الدولية، وخاصة ذوي القوة المحدودة. كما أنه اتّسم باستعلاء المهيمنين، والعنصرية، والاستغلال. إضافة الى عدم مراعاته لحقوق الإنسان كما ينبغي، وإساءة استخدام المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة. وطالما أن القطب المهيمن في هذا النظام ما زال هو أمريكا، وذراعها العسكري العالمي، حلف الناتو، فإن أول ما يجب مراجعته، أو تقييمه في خضم تقييم النظام العالمي الراحل (بصعود الصين) هو السياسة الأمريكية، وخاصة السياسة الخارجية الأمريكية، التي تؤكد مراجعتها أن لها سلبيات أكثر مما لها من إيجابيات، في خدمة السلم والأمن والازدهار العالمي. الأمر الذي يجعل معظم العالم لا يذرف دموعاً على رحيل النظام العالمي «الأمريكي»، رغم عدم تيقنه بمجيء ما هو «أفضل».
لقد كان النظام العالمي الأمريكي (وما زال، إلى حد ما) يعمل ما تريده أمريكا، والحركة الصهيونية، وإن تناقض ذلك مع مصالح أمريكا نفسها، ومصالح الإنسانية. ولنأخذ هنا مثالاً واحداً، ما زال ماثلاً أمام كل العالم، وهو: دعم أمريكا لحرب «الإبادة الجماعية» التي تقوم بها إسرائيل الآن، ومعارضتها وقف هذه الجريمة الكبرى، رغم مطالبة الغالبية العظمى من دول العالم، وقف هذه الحرب، ومحاسبة إسرائيل على ما ترتكبه من جرائم يندى لها الجبين.
****
وعندما نحصر تحليلنا السريع هذا على منطقتنا العربية، ونحاول تلخيص أبرز ملامح السياسة الأمريكية تجاه ما تسميه بالشرق الأوسط، نجد أن أمريكا قد «كسبت» عدم ود معظم شعوب هذه المنطقة، بسبب ما يشوب سياساتها من ازدواجية مقيتة. الصين الصاعدة لم تجرَّب بعد، وليس لها تاريخ استعماري يذكر، حال القوى الدولية الغربية الأخرى. وأمامها الآن عالم لتكسب ثقته، ووده، وترحيبه، إنْ هي اتبعت سياسات عادلة، ونزيهة تجاه المنطقة، وغيرها... سياسات معاكسة للسياسات الأمريكية والغربية نحو المنطقة، والتي اتسمت، في العقود السبعة الماضية بخاصة، بسمات، أقل ما يقال عنها أنها «عدائية»، واستغلالية، وانتهازية، رغم أن أمريكا، باعتبارها صاحبة أكبر «نفوذ» عالمي، كانت تستطيع عمل الكثير والكثير لصالح الأمن والسلم الدوليين والإقليميين، خاصة لو اتبعت مبدأ «الكل يربح»، لا مبدأ «لأربح، وليخسر الآخرون»، كما تفعل غالباً. فمن نافلة القول أن نذكِّر بأن سياسة أمريكا نحو المنطقة العربية بخاصة، اتسمت بسمات سلبية، من أهمها: الادعاء بحماية مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، رغم سعيها لمحاربة هذه المبادئ بالمنطقة، صراحة وضمناً. وازدواجية المعايير المتبعة بالمنطقة. إضافة الى أنه كثيراً ما يتم ضرب الأطراف ببعضها، لتطويل أمد الصراعات.
ولكن أسوأ ما يلاحظ على هذه السياسة، هو انحيازها الأعمى لإسرائيل... التي ترتكب إحدى أكبر جرائم العصر، باحتلال فلسطين، والتنكيل بشعبها. حيث تهدف أمريكا لتحقيق أهداف إسرائيل الإجرامية أولاً... حتى وإن تناقضت مع مصلحة أمريكا نفسها. وأمريكا تستخدم هذا الكيان، كقاعدة معادية متقدمة، هدفها تحقيق المطامع الصهيونية، وأهداف أسياد إسرائيل، في الغرب. وكانت النتيجة، أن معظم ما يحدث بالمنطقة العربية هو ما تريده إسرائيل، وتخطط لحصوله، ويصب لصالحها، دون اعتبار للحقوق العربية والفلسطينية، ولمنطق الحق والإنسانية، والقانون.
****
ولنحاول أن ننظر إلى السياسة الأمريكية من مدخل هي اخترعته، وما زالت تحاول تطبيقه، منذ انفرادها بقيادة النظام العالمي، وهو ما يعرف ب «العولمة» (Globalization) التي تفهم بأنها: حركة كونية - تلقائية ومقصودة - ناجمة عن التقدم التقني الهائل والمتسارع في العالم، وبخاصة في مجالي الاتصالات والمواصلات... والتي تدفع العالم بأسره للتحول إلى كيان كبير واحد... متشابهة عناصره - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً... مع إتاحة حرية التجارة – في هذه الحركة – لجعل كوكب الأرض «سوقاً» كبيراً واحداً... وبأمل أن ينجم عن ذلك سيادة قيم وعادات وأعراف سياسية واقتصادية واجتماعية واحدة، أو متجانسة، في كل أرجاء المعمورة.
إنها «حراك» أو «عملية» متشعبة الأبعاد، كما هو واضح من تعريفها. ففي بعديها السياسي والاجتماعي: تؤكد – نظرياً – على الديمقراطية والليبرالية، وحقوق إنسان موحدة. وفي بعدها الاقتصادي، الذي تتولاه «منظمة التجارة العالمية» ( WTO)، تهدف إلى: جعل العالم (ككل) وحدة اقتصادية كبرى واحدة.... تتحرر فيه التجارة، وتبادل المصالح.... فيسمح بحرية انتقال السلع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال عبر الحدود الدولية... مما يحتّم قيام تنسيق مالي عالمي واحد.... يؤكد على الرأسمالية شبه المطلقة.
****
ومنذ أن وجدت «الدول» وجدت العولمة.... بل إن الأخيرة بدأت منذ أن أصبح هناك اتصال - بأنواعه - بين الأمم المختلفة. ولكن مصطلح «العولمة» بدأ يحتل حيزا كبيراً مستجداً في الفكر الاقتصادي والسياسي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، عام 1991م، وانفراد أمريكا بصدارة العالم، ويتضمن معاني جديدة معينة. وقد حاولت القوى الكبرى (أمريكا بخاصة) في عالم اليوم تحميل هذا المصطلح بعض «الشعارات» (الجميلة)... التي سرعان ما ثبت أنها مجردة من مضامينها الحقيقية... وأنها تطلق لتسهيل - و«شرعنة»- هيمنة تلك الدول على العالم. فالمستفيد الأول – وربما الأخير – من العولمة الراهنة هي تلك القوى، وفي مقدمتها أمريكا.
لقد أوصلت «الرأسمالية» معظم العالم إلى مرحلة «العولمة» المكثفة.... ولم تكن العولمة قط بهذه الكثافة، منذ بداية التاريخ الحديث. ويتوقع أن تزداد رسوخاً، وأن تبلغ في نهاية هذا القرن حداً يجعل من العالم – بالفعل –«قرية كبيرة واحدة»....
ولكن، وبعد هذا الزحف «العولمي» الكاسح، ما زالت تثار العديد من التساؤلات المشروعة، الناتجة عن «قلق» عالمي واسع، له كل ما يبرره. فهناك تساؤلات أهم عن مسار هذه العولمة، وتأثيراتها المتوقعة، قد نتطرق – باختصار- لها لاحقاً.




أخبار متعلقة :