نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خيبة "تبدّد" التفاؤل... هل كانت "إيجابية" وقف إطلاق النار وهمية؟, اليوم السبت 2 نوفمبر 2024 05:26 صباحاً
بعدما وصلت موجة "التفاؤل" بإمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان إلى ذروتها، حتى حُدّد موعد إبرام "التسوية" في غضون ساعات، وقبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية الثلاثاء المقبل، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اجتماعه مع المبعوثين الأميركيين آموس هوكستين وبريت ماكغورك ليشترط "ضمان أمن إسرائيل" في أي اتفاق، يجب أن يقوم على "منع أي تهديد" مصدره لبنان في المستقبل.
وما هي إلا دقائق حتى بلور نتنياهو أفكاره أكثر في خطابٍ أمام ضباط جدد في الجيش الإسرائيلي، حيث قال إنّه لا يحدّد موعدًا لنهاية الحرب لكنه يضع "أهدافًا واضحة للانتصار فيها"، كما تحدّث عن "ضغط لتحقيق تسوية في لبنان قبل الأوان"، وفق وصفه، كاشفًا أنّ منع إعادة تسليح "حزب الله" أهمّ بالنسبة إلى إسرائيل من القرار الدولي 1701 الذي تدور حوله كل المفاوضات، التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كان صحيحًا أنّ نتنياهو لم ينعَ صراحة ومباشرة الاتفاق الذي اعتقد كثيرون أنّه أصبح "ناجزًا"، وقد بدا "حزب الله" منفتحًا عليه بصورة أو بأخرى، بدليل أنّ أمينه العام الجديد الشيخ نعيم قاسم أبدى في خطابه الأول بعد تنصيبه، ترحيبه بأيّ اتفاق لوقف إطلاق النار، إذا كانت شروطه مناسبة للحزب وللبنان، من دون أن يكون كمن "يستجديه"، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بدا كمن يعيد الأمور إلى "نقطة الصفر"، بصورة أو بأخرى.
ولأنّ المناخ العام ذكّر بالأجواء التي رافقت العديد من موجات التفاؤل على خط مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، التي وصلت إلى الذروة في أكثر من مرّة، قبل أن تتلقى الضربة القاضية من المفاوض الإسرائيلي، حتى حين كان المقترح ينطلق من عنده، تصبح علامات الاستفهام أكثر من مشروعة، فهل كانت موجة التفاؤل في لبنان هذه المرّة وهمية فعلاً، أم أنّها جدية لكنها تحتاج لبعض الوقت، وهل تريد إسرائيل فعلاً وقف الحرب؟!
في المبدأ، يقول العارفون إنّ الحراك الدبلوماسي القائم حول لبنان، والذي نشط في الأيام القليلة الماضية، هو "جدّي" بصورة أو بأخرى، ويستند إلى العديد من المؤشرات التي تؤكد وجود رغبة مشتركة لدى كلّ الأطراف بعدم إطالة أمد الصراع، وبالتالي عدم "استنساخ" نموذج الحرب في غزة لبنانيًا، ما يعني استمرارها لأشهر طويلة، وذلك للعديد من الأسباب، بينها اختلاف الأهداف المُعلَنة، وكذلك طبيعة العمليات والمعارك.
من هذه المؤشرات، أنّ الإسرائيليين هم أنفسهم من يمهّدون للتسوية بصورة أو بأخرى، سواء عبر الإعلام العبري الذي كان أول من سرّب "مسودة الاتفاق"، بمعزل عن مدى واقعية بنودها، أو عبر المسؤولين الإسرائيليين الذين يلمّحون إلى أنّ العملية العسكرية في لبنان أوشكت على نهايتها، علمًا أنّ التسريبات التي تحدّثت عن "إجماع" داخل الحكومة الإسرائيلية على أنّ العملية البرية حقّقت أهدافها، لا تبدو مجرّد تفصيل في هذا المشهد.
وإذا كان نتنياهو يحافظ على "تشدّد" لا يبدو متناغمًا مع الأجواء الإيجابية، خصوصًا بقوله إنّ الحرب لن تنتهي إلا بتحقيق أهدافها، فإنّ هناك من يعتقد أنّ مجرّد استقباله للمبعوثَين الأميركيَين، بغضّ النظر عن نتيجة اللقاء، هو بمثابة "نزول عن الشجرة"، أو بمعنى آخر دليل على حصول "تقدّم ما" على خط المفاوضات، علمًا أنّ إرجاء الزيارة الأميركية من الأحد إلى الخميس ينطوي وحده على العديد من العِبَر والدلالات.
وبالحديث عن المؤشرات، يتوقف البعض عند موقف "حزب الله" الذي يبدو أيضًا أكثر مرونة من أيّ وقت مضى، بعيدًا عن الجدل الدائر حول "ربط جبهتي لبنان وغزة"، الذي يؤكد العارفون أنّه لن يشكّل عقبة فعلية متى نضج الاتفاق، علمًا أنّ الحزب وخلافًا لكلّ ما يروَّج، لم يعد متمسّكًا بهذا الشرط كما كان في السابق، وما قاله الشيخ قاسم في خطابه الأخير، استند إلى شرح لأسباب الإسناد، الذي لا يزال الحزب مقتنعًا أنّه كان "واجبًا" في حينه.
أما وقد انتقلت عناوين المعركة من "إسناد غزة" إلى "التصدّي للعدوان"، ودخل الحزب مرحلة "إيلام العدو"، استنادًا لكلام الشيخ قاسم نفسه في خطاباته الأخيرة، فإنّ الأمور باتت تحتمل مقاربات من نوع آخر، وفق ما يقول العارفون، مقاربات قد يكون الرجل مهّد لها في خطابه الأول كأمين عام، حول موافقته على أي اتفاق تكون شروطه مناسبة، وهو ما يقرنه كثيرون بالتفويض الممنوح لرئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي يبقى ساري المفعول.
لكن، إذا كان صحيحًا أنّ العديد من المؤشرات تدلّ على أنّ المفاوضات حول وقف إطلاق النار جدّية، فإنّ الثابت أنّ هذه الجدّية لم تترجم على أرض الواقع، إذ إنّ الجانب الإسرائيلي كان بالتزامن مع زيارة الموفدَين الأميركيين، يكثّف قصفه على مختلف المناطق اللبنانية، مع اعتماد تكتيك "نسف" بعض القرى والأحياء عن بكرة أبيها، بل يجدّد ضرباته للضاحية الجنوبية بعد توقف نسبي، في رسالة تبدو بالغة السلبية والخطورة.
ثمّة أكثر من تفسير لهذا الأمر، بحسب ما يقول العارفون، من بينها وربما على رأسها، أنّ نتنياهو يريد مفاوضات "تحت النار"، بعكس ما يطلبه "حزب الله"، فهو يريد الذهاب إليها من "منطلق قوة"، ليتمكّن من فرض شروطه، التي أضحى واضحًا أنّه يرفض اختزالها بالقرار 1701 حصرًا، وهو يعتقد أنّ الضربات "النوعية" التي أنجزها، ولو لم تقضِ على قدرات الحزب وترسانته الصاروخية، تتيح له التحكم بمسار المفاوضات ونتيجتها.
وفي السياق نفسه، ثمّة من يؤكد أنّ نتنياهو يرفض المضيّ بأيّ اتفاق قبل "الثلاثاء الأميركي" الموعود، فهو لا يريد تقديم أيّ "هدية مجانية" للإدارة الديمقراطية ومرشحتها كامالا هاريس، في مواجهة مرشحه "المفضّل" الرئيس السابق دونالد ترامب، وإن كان حريصًا في الوقت نفسه على إبداء "حسن النيّة" بتجاوبه بالحدّ الأدنى مع المسعى الذي تقوم به إدارة الرئيس جو بايدن، وذلك في سياق ترتيبه لعلاقات استراتيجية مع ساكن البيت الأبيض الجديد، أيًا كان.
يستند هذا التفسير إلى الربط المستمرّ منذ أشهر بين الحرب في المنطقة والانتخابات الأميركية، وإن كانت انعكاسات هذا الاستحقاق على الصراع غير واضحة، فضلاً عن أنّ هناك من يعتقد عن أنّ أيّ تبعات ستبقى مؤجَّلة لحين استلام الرئيس الأميركي الجديد لزمام الأمور مطلع العام المقبل، وهو رأي يصطدم آخر يعتبر مثل هذا الربط غير منطقي، ولا سيما أنّ شيئًا لن يتغير عمليًا بين إدارة أميركية وأخرى، في ظلّ "ثابتة" العلاقة مع إسرائيل.
في كلّ الأحوال، قد تكون "الخيبة" التي أعقبت زيارة الموفدَين الأميركيَين إلى تل أبيب، بدّدت موجة التفاؤل بالفرج القريب، ولا سيما أنّ أيّ زيارة لهما إلى بيروت لم تُجدوَل، لكن ثمّة انطباع لدى كثيرين بأنّ ما بدأ سيُستكمَل، وأنّ إسرائيل رغم المكابرة ورفع الأسقف، باتت جاهزة فعلاً لاتفاق، ربما قبل أن تزول صورة "انتصارها"، إذا ما استمرّت ضربات "حزب الله" المضادة، وإن كانت التجربة مع إسرائيل أثبتت أنّ كلّ شيء يبقى واردًا، ولو بدا "مجنونًا"!.