نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لبنان ليس اوتوبيا, اليوم الاثنين 18 نوفمبر 2024 03:02 صباحاً
ذاكَ القائِلَ "أنَّ لبنانَ اوتوبيا مَجروحةٌ، أساسُها هَشٌّ..."، يُدرِكُ ما يَقولُ.
لِذا جُرمُه ثالوثِيٌّ:
هو لا يَعرِفُ لبنانَ -أو يَتَقَصَّدُ عَدَمَ المَعرِفَةِ-، لا لاهوتاً وَلا تاريخاً. وَفي مُغالاتِهِ بالتَجاهُلِ عَمداً نَفيٌ موغِلٌ في إصطِناعِ تَفَلسُفٍ تِجاهَ وَطَنٍ لَيسَ مِن مُبتَكَراتِ وَهمٍ، وأرضٍ لَيسَت مِن تَفَلُّتِ جُنوحٍ.
وَهو لا يَعرِفُ جَوهَرِيَّةَ لبنانَ -أو يَتَقَصَّدُ التَجَنِّيَ عَلَيها- لاهوتاً وَتاريخاً. وَفي مُغالاتِهِ بالتَجَنِّيَ عَمداً إختِلاقُ فِطرِيَّاتٍ تَسوسُ الوِجدانَ بَل وَجودِيَّةَ الفِكرِ.
وَهو لا يَعرِفُ مَدارِكَ لبنانَ -أو يَتَقَصَّدُ نُكرانَها- تاريخاً لِأواتٍ وأواتٍ لَلاهوتٍ. وَفي إرتهانِهِ عَمداً لِلإنكارِ خُضوعٌ لِجَبرِيَّاتٍ لَيسَت وَلن تَكونَ مِن قابِلِيَّاتِ رَجُلَ كَنيسَةٍ -وإن تَلَطَّى بِمَنصِبٍ- دَعوَتُهُ أن يَكونَ في هذا العالَمِ لا مِنهُ... وَحُكماً، لا لَهُ.
وَما "الاوتوبيا"؟ مُذ أطلَقَها توماس مور العامَ 1516 وَأغدَقَ الفِكرُ أبعادَها، وَهي تَعني لا "المَدينَةَ الفاضِلَةَ" الأفلاطونِيَّةَ، بَلِ "الوَهمَ غَيرَ القابِلِ التَحقيقَ لِفُقدانِهِ الواقِعِيَّةَ، والمُتَحَوِّلَ بِرُدُهاتِ الزَمَنِ إيغالاً ايديولوجِيَّاً صِرفاً." وَوَصَلَت جامِعَةُ مونريالَ في ما آلَت إلَيهِ مِن أبحاثَ حَولَها الى "إقتِبالِ العُنفِ طَريقَها".
أهَذا لبنانُ؟ وَذاكَ الذي رَماهُ بِ"الاوتوبيا المَجروحَةَ" يُتابِعُ، بِسَردِيَّاتهِ، أنَّهُ "عَلينا إبقاءَ (اوتوبيا-لبنانَ) حَيَّةً، وَلَو في حالَةِ نِزاعٍ، لِئَلَّا نَقَعَ في الشَرذَمَةِ العُنفِيَّةِ المؤَثِّرَةِ على العالَمِ بِأسرِهِ."
يا لِلشَفَقَةِ، وَسطَ اللامُبالاةِ!
لا! لبنانُ لَيسَ اوتوبيا. وَهوَ مَن جَرَّدَ التاريخَ مِن جَبرِيَّةِ القَدَرِيَّةِ، وَنَزَعَ عَنِ الأديانِ أقنِعَةَ الأقدارِ.
لا! لبنانُ لَيسَ اوتوبيا. وَهوَ مَن حَصَّنَ تَكامُلاتِ التَذَهُّنِ الدينيِّ المُتَنوِّعِ، وأفحَمَ تَجنيحَ مُعاكَساتِهِ بِعُلى مَنطِقِهِ.
لا! لبنانُ لَيسَ اوتوبيا. َوهوَ مَن أقامَ إرادَةَ التَلاقِيَ بَينَ الإختِلافاتِ مِن غُلوِّ التَلاغِيَ السَبَبِيِّ.
الصورَةُ غَيرُ المَرئِيَّةِ
قُلّ: بِجَسَدِهِ وَدَمِهِ، لبنانُ حَقيقَةُ الحَقيقَةِ. مِن كُلِّ الإنسانِ لِكُلِّ الإنسانِ. لم يَكُن مِن تَجَسُّدِهِ في أرضٍ لِلإنسانٍ وَلِلتاريخِ، سِتاراً يَختَبِىءُ خَلفَهُ مُصطَنِعو الأُلوهَةِ لِإختِباراتِ الظَلامِيَّاتِ. ها مِن دَمِهِ المهراقِ أجيالاً وأجيالَ، صارَ ما لا يُوَّدُ أن يَكونَهُ مَن يَبغيَ التَنابُذَ والتَقاتُلَ والإلغاءاتَ المُتَبادِلاتَ بإسمِ الدينِ نُموَّاً لِكَينونَةِ العالَمِ.
قُلّ: حَقيقَةُ لبنانَ الحَقيقَةَ، أنَّهُ صورَةُ الأُلوهَةِ غَيرِ المَرئِيَّةِ. وَهَذِهِ أقوى هِباتِهِ قُدرَةً مِن كُلِّ العَجزِ المُتَراميَ أهوالاً وَحُروباً وَدَماراً لِلبَشَرِيَّةِ بإسمِ الأديانِ. وَتالياً ما حَدَثَ وَيَحدُثُ لِلبنانَ مِن تَنامِيَ العُنفِ ضِدَّهُ بإيماءاتٍ، مَعلومَةٍ وَمَجهولَةٍ، وَتَلَطِّيها بِدُمىً مِن داخِلٍ... حَدَثَ لِلأُلوهَةِ في ذاتِيَّةِ كَيانِها.
قُلَّ: تألَّمَ لبنانُ مِن داخِلِهِ. والليبانولوجيا هي قَبولُ حَقيقَتِهِ: هو الكَينونَةُ البَشَرِيَّةُ في كَينونَةٍ أُلوهِيَّةٍ مُتَجَسِّدَةٍ. في أرضٍ، وَشَعبٍ يُقاوِمُ لِحَقيقَتِهِ. كُلُّ أحَدٍ فيهِ ضَحِيَّةٌ رافِدَةٌ مِن غُربَةٍ، مِن ظَلامَةٍ، مِن تيهٍ. وإقتَبَلت، وَلَو بِمَشَقَّةٍ، الكَينونَةَ مَعاً بِأثمانٍ مِن ذاتِها... مُنذُ الخَلقِ الى أبَدِيَّةِ القِيامَةَ، لِأنَّ في قَناعَتِها لِلقيامَةِ الكَلِمَةُ الفَصلُ لا لِلمَوتِ.
لا يَلتَقي لبنانُ الإنسانَ والأديانَ والحَضاراتِ بِإيديولوجِيَّةٍ تَستَثيرُ شَفَقَةً -وَلَو بِها تَشَدَّقَ رَجُلُ كَنيسَةٍ، جُرمُهُ تِجاهَ لبنانَ إدانَةٌ لَهُ شَخصِيَّةٌ- بَل بِأُسلوبِ الأُلوهَةِ المُلاقِيَةِ أُسلوبَ الإنسانِ. وَهذا نُهَى التَحَرُّرُ.
بِذاكَ لبنانُ أعظَمُ أُلوهَةً، وأعظَمُ إنسانِيَّةً، مِن تُرَّهاتِ الاوتوبيا.
تبَّاً لِلقائِلِ أنَّهُ اوتوبيا! لِقَد أدانَ نَفسَهُ بِنَفسِهِ، إذ تَعامى عَن عَقيدَةِ المِعنى بِما لبنانُ-المَعِيَّةُ خَلاصُ الأديانِ والفَلسَفاتِ، وَعَن لاهوتِ الصَليبِ بِما هو التَقدِمَةُ... لِأجلِ كُلِّ شَيءٍ.