نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الميلاد: حدث وأيقونة, اليوم السبت 7 ديسمبر 2024 04:33 صباحاً
عناصر أيقونة الميلاد لها أهمِّيَّة كبرى، وهي مرتبطة بحدث العيد ولاهوته. جميل أن نتعرَّف على معانيها وتاريخ اعتمادها. ولا بدَّ لنا أوَّلًا من أن نذكر أنَّ حدث ميلاد يسوع مذكور في إنجيلَي متَّى ولوقا بحيث يتفرَّد كلٌّ منهما بسرد أحداث تتعلَّق بولادة يسوع بالجسد، وبالتالي يشكِّلان مصدرين أساسيَّين لأيقونة الميلاد.
فمتَّى يذكر ملاك الربِّ الَّذي ظهر في الحلم ليوسف خطِّيب مريم وطمأنه بأنَّ حبل مريم العذراء من الروح القدس، وذكَّره بنبوءة إشعياء النبيِّ: «هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا، ويدعون اسمه «عمَّانوئيل» الَّذي تفسيره: الله معنا» (متَّى 1: 23). ويكمل في إصحاحه الثاني سرده عن مجيء المجوس إلى أورشليم، والنجم الَّذي ظهر لهم وقادهم في الطريق، وعاد وأرشدهم إلى مكان وجود الصبيِّ حيث سجدوا له مقدِّمين له الهدايا الثلاث: اللبان والذهب والمرَّ، إشارةً إلى ألوهة الربِّ وملوكيَّته وموته بالجسد، واستفسار هيرودس من رؤساء كهنة اليهود وكتَبَتهم عن مكان ولادة الصبيِّ، وإجابتهم له بحسب نبوءة ميخا بأنَّ الولادة هي في بيت لحم المدينة الصغرى، وقتل هيرودس لأطفال بيت لحم، وذهاب يوسف ومريم ويسوع إلى مصر، والعودة منها بعد موت هيرودس بحسب ما طلب الملاك من يوسف. الإنجيليُّ متَّى سلَّط الضوء على دور يوسف.
أمَّا من جهة لوقا فهو يذكر في إصحاحه الأوَّل بشارة الملاك جبرائيل لمريم بالحبل الإلهيِّ، ويخبرنا في الإصحاح الثاني عن صعود يوسف ومريم إلى بيت لحم للاكتتاب، وولادة يسوع في مذود.
لا يأتي لوقا على ذكر مغارة أو وجود حيوانات، لكنَّه يكتفي بالقول إنَّهما لم يجدا موضعًا في المنزل. كما يخبرنا أيضًا عن ظهور ملاك للرعاة ليلًا وتبشيره لهم بولادة المخلِّص الَّذي هو مسيح الربِّ في مدينة داود، وأعطاهم علامة وهي: «تجدون طفلًا مقمَّطًا مُضجعًا في مذود» (لوقا 1: 12) بالإضافة إلى جوقة ملائكة ترتِّل، وذهاب الرعاة على الفور إلى بيت لحم بحيث وجدوا هناك، «مريم ويوسف والطفل مضجعًا في المذود» (لوقا 2: 16) وأخبروا الحاضرين بما سمعوه من الملاك.
نلاحظ هنا أنَّ الأقمطة وردت مرَّتين والمذود ورد ثلاث مرَّات. وقد ظهرتا في التصاوير منذ البداية، كما أن المذود أشار إلى مكان له علاقة بالحيوانات. هنا يأتي دور إنجيل يعقوب المنحول (ق 2) ليذكر أنَّ الولادة تمَّت في المغارة، والنجم أرشد المجوس إلى المغارة. كذلك يخبر عن سالومي وقابلة عبرانيَّة. وهذا يفسِّر وجود مشهد غسل الربِّ في أيقونة الميلاد مع المرأتين. كما يذكر أنَّ سالومة شكَّت ببتوليَّة مريم ولمستها للتأكُّد، وإذ بدأت يدها تأكلها النار. فسجدت وطلبت من الله المغفرة، فظهر لها الملاك وطلب منها أن تحمل المولود الإلهيَّ لتبرأ، وهكذا صار. ويخبر كيف أنَّ القابلة شاهدت سحابة مضيئة غطَّت المغارة، ونورًا إلهيًّا ملأها.
أمَّا بالنسبة إلى الحيوانَين، فيعود ذلك إلى نبوءتين: الأولى عند إشعياء النبيِّ: «الثور يعرف قانيَهُ والحمار معلفَ صاحبه، أمَّا إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم» (إشعياء 1: 3)، والثانية عند النبيِّ حبقوق: «يا ربُّ، قد سمعتُ خبرك فجزعت. يا ربُّ، عملَكَ في وسط السنين أَحْيِه. بين حيوانَين تُعرَفُ وعند اقتراب السنين تُشتَهر، وعند حضور الوقت تظهر». (حبقوق 3: 2 - الترجمة السبعينيَّة).
لا ينتهي دور المغارة في أيقونة الميلاد ولا حتَّى دور الأقمطة، إذ الإثنان نراهما في أيقونة القبر الفارغ ومجيء حاملات الطيب باكرًا، حيث يكون الملاك بلباسه الأبيض البرَّاق جالسًا على الحجر المدحرج وخلفه المغارة، ويشير بيده إلى الأقمطة الفارغة.
أقدم أيقونة ميلاديَّة موجودة في دير القدِّيسة كاترينا في سيناء، وتعود إلى القرن السابع الميلاديِّ وتظهر بوضوح تامٍّ مشهد الملائكة الَّذين يسبِّحون، والملاك الَّذي يكلِّم الرعاة، والغسل، ويوسف خطيب مريم، والمجوس، والطفل يسوع في المذود مقمَّطًا في المغارة، والحيوانين، ووالدة الإله مريم العذراء.
يسوع دائمًا في وسط الأيقونة لأنَّه الحدث، والعذراء بجانبه لأنَّها والدته. يوسف يكون في مشهد مستقلٍّ لأنَّه ليس والده بل الآب السماويُّ. مِن هنا لا يوجد في اللاهوت الأرثوذكسيِّ ما يعرف بصورة العائلة المقدَّسة (يسوع ومريم ويوسف). ويعيَّد ليوسف في الأحد الَّذي يلي الميلاد، والعيد الكبير لوالدة الإله هو في اليوم التالي للعيد.
قبل الأيقونة الميلاديَّة الأقدم، يوجد تصاوير على جدران دياميس روما تعود إلى القرن الثاني والثالث والرابع الميلاديِّ. مثال على ذلك جداريَّة تظهر والدة الإله جالسة وفي حضنها الربُّ يسوع ترضعه، وفوق رأسها نجم، ويقف أمامها نبيٌّ يشير إليها. الأرجح هو بلعام (ق 8 ق م) صاحب النبوءة عن مجيء الربِّ: «أراه ولكن ليس الآن. أُبصِرُه ولكن ليس قريبًا. يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل» (عدد 24: 17). وجداريَّات تظهر والدة الإله جالسة وفي حضنها يسوع وثلاث رجال (المجوس) يتقدَّمون نحوها. اللافت فيها أنَّ كلَّ شخص بلون. شرح هذا أنَّهم يمثِّلون القارَّات الثلاث الَّتي كانت مكتشفة آنذاك: آسيا وأفريقيا وأوروبَّا. ولاحقًا سنراهم يمثِّلون أعمارًا ثلاثة: شابًّا، ومتوسِّطًا في العمر، وكبيرًا في السنِّ، إشارة إلى أنَّ المسكونة كلَّها أتت وسجدت للربِّ القدُّوس بكلِّ أعمارها، كما في فسيفساء رافينا مثلًا (ق 6).
كما يوجد نواميس كثيرة منقوش عليها أحداث ميلاديَّة تعود إلى القرون الأربعة الأولى.
شيئان نلفت النظر إليهما منذ البداية: الأوَّل هو أنَّ يسوع دائمًا مقمَّط كما جاء في إنجيل لوقا: «فولدت ابنها البكر وقمَّطته وأضجعته في المذود» (لوقا 2: 7) وليس عاريًا، والثاني هو وضعيَّة والدة الإله، فهي مستلقية وليست جالسة، وسنرى لاحقًا قماشًا أحمر اللون تحتها على شكل حبَّة القمح لأنَّها أمُّ الحياة، واللون الأحمر هو لون الدم أي الحياة. كما أنَّ والدة الإله لا تنظر إلى الربِّ، إشارة إلى أنَّها قدَّمت ابنها للبشريَّة منذ اللحظة الأولى للولادة، وأنَّ رسالة يسوع هي فداء البشريَّة، وهي من ضمن هذه البشريَّة.
خلاصةً، إنَّ أيقونة الميلاد تدعى أيقونة ميلاد المسيح، والعيد هو عيد ظهور الله في الجسد.
إلى الربِّ نطلب.