نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خيارات المعارضة لجلسة الانتخاب... هل تعلن ترشيح جعجع للرئاسة؟!, اليوم السبت 7 ديسمبر 2024 05:05 صباحاً
صحيح أنّ مهلة الشهر الفاصلة عن الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، في التاسع من كانون الثاني المقبل، وذلك بعد انقطاع استمرّ لنحو عامٍ ونصف، تبدو طويلة نسبيًا، ويمكن أن يُبنى عليها الكثير، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ "البازار الرئاسي" فُتِح بمجرّد حصول الدعوة، حيث انتعش الحراك السياسي في البلد، وعاد الحديث عن استحقاقٍ لطالما جُمِّد وهُمّش، رغم أنّه تأخّر كثيرًا عن موعده.
وقد تجلّى ذلك بوضوح في مواقف مختلف الأطراف والأفرقاء التي تكاد "تتقاطع" على أنّ جلسة التاسع من كانون الثاني المقبل لا يمكن أن تكون كسابقاتها، وبالتالي أنّها يجب أن تكون مفصليّة وحاسمة، وتفضي بالضرورة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، باعتبار أن الأمر أصبح مُلحًّا ولم يعد "ترفًا"، وهو ما عزّزه الخطاب السياسي "المتوازن" الذي غيّب أيّ إشارة لشروط ما قبل الحرب، ولو أنه لم يترجم بعد تغييرًا فعليًا في المعادلات.
ولعلّ "باكورة" هذا الحراك المستجدّ ظهرت في الاجتماع الذي عقدته قوى المعارضة هذا الأسبوع في معراب، بحضور رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، والذي أخذ بعدًا مختلفًا عن الاجتماعين السابقين اللذين عقدا في المكان نفسه، إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان، حيث بدا أنّه "يؤسّس" في مكانٍ ما لمشاورات "جدّية" تعتزم هذه القوى القيام بها، في إطار مواكبة مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، ولكن أيضًا تحضيرًا لجلسة الانتخاب المنتظرة.
ومع أنّ هذا الاجتماع لم يخرج عن إطار "العموميات"، ولم تنبثق عنه "خطة واضحة" ستتعامل المعارضة مع الاستحقاق بموجبها، وبصورة موحّدة، ربما بانتظار اكتمال المشاورات التي يفترض أن تتكثّف في الأيام القليلة المقبلة، فإنّ التسريبات بشأنه أشارت إلى "سيناريوهات" عدّة تدرسها المعارضة، تتراوح بين التوافق والتفاهم والتحدّي والمواجهة، فأيّ الخيارات سيطغى في النهاية، وما حقيقة "فكرة" ترشيح جعجع التي يتمّ تداولها في بعض الأوساط؟.
في المبدأ، يقول العارفون إنّ الليونة التي ظهرت في خطابات مختلف الأفرقاء منذ ما قبل انتهاء الحرب الأخيرة انعكست بشكل أو بآخر على خطاب المعارضة أيضًا، التي تعمّدت بعد اجتماعها الأخير ترك خياراتها "مفتوحة"، من دون اعتماد "تكتيك" رفع السقف كما كانت تفعل سابقًا، في مواجهة دعوات الحوار والتشاور وما شابهها، أقلّه بانتظار نضوج الصورة واكتمال المشاورات، ولو أنّها تصرّ على عدم التخلّي عن ثوابتها الأساسية في مقاربة الاستحقاق.
بهذا المعنى، يقول المحسوبون على المعارضة إنّ هذه المرونة جاءت في مكانٍ ما لملاقاة الفريق الآخر، الذي تراجع عن الكثير من الشروط التي كان يصرّ عليها، كما قدّم الكثير من المؤشرات عن استعداده لتقديم "تنازلات"، بدليل أنّ دعوة رئيس مجلس النواب للجلسة هذه المرّة لم تقترن بـ"شرط" الحوار، كما أنّ خطاب "حزب الله" المُعلَن يخلو حتى الآن من التهديدات المعتادة بفرط النصاب، بل هو يتحدّث عن التزام بالدستور وبالأصول الديمقراطية.
لهذه الأسباب، يقول هؤلاء إنّ الفريق الآخر هو الذي تراجع، والذي أبدى مرونة وليونة، وكان من الطبيعي أن تتلقّفها المعارضة بإيجابية، خصوصًا أنّها من تطالب منذ اليوم الأول بالاحتكام إلى الدستور والديمقراطية، وتصرّ على الذهاب إلى جلسة انتخابية من دون شروط مسبقة، ومن دون تكريس "بِدَع" غير قانونية ولا دستورية، من دون أن تعني هذه "الإيجابية" أنّ المعارضة بصدد تقديم أيّ "تنازلات" في مقاربة الاستحقاق ككلّ.
في هذا السياق، توضح أوساط المعارضة أنّ مقاربتها للاستحقاق تبقى محكومة بثوابت أساسيّة، أولها أنّ الفريق الآخر يجب أن يترجم ليونته ومرونته بجدّية عمليّة، وذلك عبر عدم تعطيل جلسة الانتخاب، سواء حصل توافق قبلها أو لم يحصل، وبالتالي أنّ الجلسة يجب أن تكون مفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس، وثانيها أن أيّ مرشح للرئاسة، ولو كان توافقيًا، يجب أن يلبّي تطلعات المعارضة، وبالتالي أن يكون سياديًا، لا رماديًا أو وسطيًا.
انطلاقًا من ذلك، تُطرَح علامات استفهام حول خيارات المعارضة "العملية" للتعامل مع الاستحقاق، والتي تبدو حتى الآن "متأرجحة"، بين من يتمسّك بمعادلات المرحلة السابقة، بما في ذلك بالتقاطع مع "التيار الوطني الحر" على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، ومن يعتبر أنّ هذه المرحلة "ولّت"، وأنّ المعادلة اليوم أصبحت بين خياري التفاهم "المشروط" مع المعسكر الآخر، أو الذهاب إلى "المواجهة الانتخابية"، مع مرشحين "أصيلين"، إن صحّ التعبير.
توحي أوساط المعارضة أنّ الخيار الأول يبقى الغالب، على الأقلّ في هذه المرحلة، بانتظار اتضاح نوايا الطرف الآخر، وتحديدًا "حزب الله"، لكنّ هذا الخيار "مشروط" بمبادرة "حسن نيّة" من هذا الفريق في المقام الأول، عنوانها "التخلّي" عن ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، لأنه من دون ذلك، لا معنى لأيّ توافق أو تفاهم، خصوصًا أنّ رهانات فرنجية على الحرب لتعزيز حظوظه الرئاسية "انقلبت ضدّه"، وهو ما يدركه القاصي والداني.
حتى الآن، لا يبدو هذا الشرط متوافرًا، فرئيس مجلس النواب وصف فرنجية في أحدث تصريحاته بـ"عماد المرشحين"، فيما يؤكد قياديو "حزب الله" في تصريحاتهم، على حقّهم بالتمسّك بترشيح فرنجية، والسعي لتوسيع الكتلة "الداعمة" له، في سبيل إيصاله إلى قصر بعبدا، كما أنّ المحسوبين على رئيس تيار "المردة" يلمّحون إلى أنّه ليس في وارد الخروج من السباق تحت أيّ ظرف من الظروف، وهي عوامل لا تسهّل أمر التوافق برأي هؤلاء.
مع ذلك، ثمّة "مؤشّرات" يتوقف عندها المحسوبون على المعارضة، من بينها أن أيّ موقف واضح وحازم لم يصدر بهذا الصدد عن الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، الذي اكتفى بالحديث عن "مساهمة فعّالة" للحزب في انتخاب الرئيس، تحت سقف اتفاق الطائف، ومن بينها تلميح بعض القياديّين في الحزب، ومن بينهم نائب رئيس المكتب السياسي محمود قماطي، بالقبول بالنتائج، تحت عنوان أنّ "لا فيتو على أحد"، وهو ما حمل الكثير من الدلالات.
إلا أنّ أوساط المعارضة تؤكد أنّ عدم التخلّي الصريح عن ترشيح فرنجية، يعني أنّ المواقف لم تتغيّر، وبالتالي أنّ كل المرونة التي يبديها الفريق الآخر ليست أكثر من "مناورة"، ولذلك فإنّ المعارضة التي تفتح بابًا للتشاور والتوافق، تترك في الوقت نفسه باب "التحدّي" مفتوحًا، و"التحدّي" في حالة التمسك بفرنجية، قد لا يعني التمسك بجهاد أزعور في مواجهته، بل بأسماء أخرى، ولعلّ التلويح باسم جعجع نفسه يندرج في هذا الإطار.
في النتيجة، تبدو مواقف المعارضة غير موحّدة حتى الآن. في صفوفها من يعتبر أنّ التفاهم مع الطرف الآخر أساسيّ بعد المرونة التي أبداها، لأنّ مصلحة البلد في هذه المرحلة الاستثنائية تقتضي إيصال رئيس يجمع عليه اللبنانيون. لكن في صفوفها من يعتقد أيضًا أنّ المطلوب "استغلال" دقّة المرحلة، ونتائج الحرب الأخيرة، لوضع النقاط على الحروف، بل من يعتبر أنّ "الفرصة" التي تتوافر لجعجع أو سواه اليوم، قد لا تتوافر مستقبلاً!.