وكالة زهوة برس للأنباء

الديمقراطية في نيجيريا

تواجه نيجيريا، أكبر دولة في إفريقيا من حيث السكان، تحديات كبيرة منذ استقلالها، تشمل الفقر المدقع، العنف الداخلي، والفساد السياسي، كما أن الانقسامات العرقية والدينية التي تجذرت خلال فترة الاستعمار البريطاني تعمّق الأزمات، فيما يعقد الأمل على الشباب الذين يقودون حركات الإصلاح والتغيير، السؤال الذي يطرحه ويناقشه هذا الكتاب: هل ستتمكن نيجيريا من تحقيق الديمقراطية المنشودة والاستقرار الدائم؟
نيجيريا، التي تشكلت من خلال مزيج معقد من المجموعات العرقية والدينية تحت الاستعمار البريطاني مطلع القرن العشرين، استقلت في عام 1960، لكنها وقعت في شباك حكم عسكري دام ربع قرن، وعلى الرغم من التحول إلى الديمقراطية، إلا أن هذا التحول لم يحقق الأمل المنشود، إذ ما زالت أزمات البطالة والديون والعنف المتصاعد مستمرة من قِبل العصابات والمجموعات المتطرفة، لتضع البلاد على حافة التفكك.
يقدّم كتاب «نيجيريا: النضال من أجل الديمقراطية» الصادر عن دار فيرسو للنشر في 2024 ضمن 208 صفحات للمؤلف والناقد النيجيري أديوالي ماجا بيرس، رؤية غير متسامحة وحادة تجاه أزمة الديمقراطية في نيجيريا. يستعرض بيرس جذور الأزمة النيجيرية، مركّزاً على تعقيداتها التاريخية والسياسية والاجتماعية، وكيف تحولت إلى ساحة صراع داخلي مستمر منذ استقلالها.
الشباب والتغيير
يمثّل هذا الكتاب دعوة ملحّة لفتح نقاش واسع حول أزمة القيادة والسياسة في نيجيريا.. يطرح ماجا بيرس تساؤلاً محورياً: «هل يمكن لنيجيريا، بمزيجها المعقّد من المشكلات، أن تجد طريقها نحو ديمقراطية حقيقية واستقرار دائم؟».
يرى المؤلف أن الإجابة تكمن في قدرة الشباب النيجيريين على ترجمة غضبهم إلى قوة تغييرية، وهو تحدٍ يتطلب من الجميع الانتباه إلى حراكهم وتأثيرهم المستقبلي على البلاد.
يقسم بيرس كتابه إلى فصول تحكي قصة الدولة النيجيرية منذ بداياتها الاستعمارية حتى اليوم.
في الفصل الأول، «تحدّث بصوت عالٍ»، يُبرز الدور الذي يلعبه الشباب النيجيري في رفع الأصوات ضد الظلم والفساد في نظام سياسي مستبد. وفي الفصل الثاني، «البداية»، يعود بيرس إلى الجذور ليتناول الظروف التي أدت إلى تشكيل نيجيريا الحديثة، مشبهاً تلك العملية السياسية بمقامرة كبرى جرت على حساب الأجيال اللاحقة، أما في الفصل الثالث، «حرب مستمرة»، فيتحدث عن الحروب والانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد، والتي زادت من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي.
ويناقش في الفصل الرابع، «عائدات الديمقراطية»، كيف فشلت الديمقراطية النيجيرية في تقديم مكاسب حقيقية للشعب، بل أسهمت في تعميق الفجوة بين النخبة السياسية المترفة والشرائح الواسعة التي تعاني من الفقر والإهمال، ويختتم الكتاب بفصل «قوانين العرّاب»، حيث يكشف كيف أصبحت السياسة في نيجيريا لعبة بين أيدي السياسيين الفاسدين الذين يتحكمون في مصير البلاد وقراراتها الحاسمة.
تصاعد الدعوات الانفصالية
عمل الكاتب على تأليف هذا الكتاب في سياق انتخابات 2023، يقول: «بحلول ذلك الوقت، كنا قد استمتعنا بما يقارب ربع قرن من الديمقراطية، بعد أن تحملنا تقريباً نفس الفترة تحت الحكم العسكري، أستخدمُ علامات الاقتباس لأن عدد السكان تضاعف ليصل إلى 220 مليون نسمة في تلك الفترة (ما جعلنا سادس أكبر دولة في العالم)، وكان من المفارقات أيضاً أن عدداً أكبر من النيجيريين وقع في براثن الفقر المدقع، حيث بلغ عددهم حالياً 133 مليوناً، وبالنظر إلى أن معظمهم من الشباب، فليس من المستغرب أنهم أصبحوا أكثر قلقاً وإحباطاً في مواجهة مستقبلهم القاتم.
ويضيف:«مشكلتنا الأساسية هي أننا في الحقيقة لسنا بلداً متماسكاً بأي معنى حقيقي، ومن هنا جاء العنوان، ما يُسمى بـ«نيجيريا» هو مزيج من كلا الديانتين العالميتين (بأعداد متساوية تقريباً) وأكثر من 250 مجموعة عرقية، لكل منها تقاليدها المختلفة تماماً، وكلها جُمعت بشكل تعسفي من قبل القوى الاستعمارية البريطانية لتحقيق مصالحها الاقتصادية الخاصة، وكان البريطانيون أنفسهم يعرفون جيداً أن.. الشمال الذي يغلب عليه المسلمون والجنوب الذي يغلب عليه المسيحيون - الانقسام الأعمق والأكثر وضوحاً بين العديد من انقساماتنا - مختلفون عن بعضهما البعض «كما تختلف إنجلترا عن الصين»، وفقاً لقول السير جورج غولدي، الرجل الذي كان الأكثر مسؤولية عن إدراك ما قد يكون الدولة الأكثر تعقيداً في العالم، وهي الدولة التي ازداد تعقيدها بسبب عدم التوازن بين الأعراق، ثلاث مجموعات فقط - الهوسا-فولاني في الشمال، الإيغبو في الجنوب الشرقي، واليوروبا في الجنوب الغربي - تشكل حوالي ثلثي السكان، ما يجعل جميع المجموعات الأخرى «أقليات»، وهو ما يتم تذكيرهم به كلما نسوا أنفسهم».
في مرحلة ما بعد الاستقلال، حاول البريطانيون احتواء التوترات العرقية عبر تقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق شبه مستقلة، إلا أن ذلك لم يمنع تصاعد الدعوات الانفصالية. وأدى هذا إلى حرب أهلية دموية في عام 1967، عندما أعلن الإيغبو قيام جمهورية بيافرا، وعلى الرغم من أن شعار الوحدة الوطنية «الإبقاء على نيجيريا واحدة» كان الدافع وراء الحرب، إلا أن هذا الشعار كان فارغاً، كما يشير الكتاب، في ظل التناقضات الداخلية التي تهدد وحدة البلاد.
مستقبل نيجيريا
يسلّط الكتاب الضوء على تأثير الثروة النفطية في نيجيريا، حيث كانت البلاد على أعتاب أن تصبح أمة متطورة في القرن العشرين، كما قال الكاتب الشهير شينوا أتشيبي. ومع ذلك، أدى الفساد واحتكار النخب الحاكمة إلى تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث يستأثر خمسة من أغنى رجال نيجيريا بثروات طائلة. ويعرض أيضاً قضايا اجتماعية أخرى، مثل الاعتداءات الجنسية والفساد السياسي، ويشير إلى شخصيات سياسية بارزة مثل أحمد ساني يريما الذي هدد بالترشح للرئاسة عام 2023.
من بين المرشحين للرئاسة، برز بيتر أوبي كظاهرة غير مسبوقة، فقد حظي أوبي بدعم كبير من الشباب الذين كانوا يتوقون للتغيير، دون أن يطلب منهم شيئاً مقابل ذلك، ويعبّر الكتاب عن دهشة النيجيريين من قدرة أوبي على اكتساب هذا التأييد الشعبي دون مطالب شخصية، ما دفع الكثيرين لاعتباره معجزة سياسية، كان الشباب يرون في أوبي فرصة لتحقيق حكومة قوية تعيد الأمل للبلاد.
في النهاية، يناقش الكتاب الحاجة إلى عقد مؤتمر وطني سيادي حقيقي، يجمع جميع المجموعات العرقية واللغوية والدينية لمناقشة مستقبل البلاد. يقول المؤلف: «نيجيريا قد تم تصميمها كدولة عسكرية من قبل السيد الاستعماري الذي ما زلنا نقدم له الولاء، بغض النظر عن الحديث عن الديمقراطية التي تم اختبارها مرة أخرى، وهذا هو السبب في أن أتباع ذلك السيد قدموا تقريراً إلى معهد (تشاتام هاوس) في لندن قبل شهر من انتخابات 2023، وهي منافسة لم يكن أحد يتوقع أن تكون سلمية أو نزيهة أو عادلة، لكن التحدي الأول كان في ما إذا كان يمكن لجيش الشباب الكبير أن ينجح في تحقيق ما كان يمكن أن يكون ثورة سلمية بانتخاب بيتر أوبي لمجرد أنهم أرادوا حكومة ذات كفاءة أو على الأقل بدايةً لها، التحدي الثاني كان عقد مؤتمر وطني سيادي حقيقي حيث تجلس جميع المجموعات ذات المصالح المختلفة - العرقية، اللغوية، الدينية - معاً وتقرر ما إذا كانوا يريدون البقاء معاً، وإذا كان الأمر كذلك، كيف؟، سيكون هذا هو المعنى الحقيقي لـ«الاستقلال» الذي مُنح لنا ظاهرياً «على طبق من ذهب» (وفقاً لكلمات أحد القوميين الأوائل).

أخبار متعلقة :