فى نداء عاجل للمجتمع الدولي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن مخاوفه الجسيمة بشأن احتمال "التطهير العرقي" فى غزة وسط تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية.
يأتى تحذيره فى الوقت الذى تستمر فيه الخسائر المدنية فى الارتفاع، وخاصة بعد غارة جوية مدمرة فى منطقة بيت لاهيا والتى أفادت التقارير أنها قتلت ٩٣ شخصًا على الأقل، بما فى ذلك العديد من الأطفال.
هذه الضربة ليست سوى واحدة من عدة حوادث سقوط أعداد كبيرة من الضحايا التى وقعت فى غزة على مدى الأسبوع الماضي، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
أكد جوتيريش، الذى تحدث على هامش مؤتمر التنوع البيولوجي COP١٦ فى كولومبيا، أن استمرار مثل هذا العنف قد يؤدى إلى كارثة إنسانية لا رجعة فيها.
وأشار إلى أن "النية قد تكون أن يغادر الفلسطينيون غزة، وأن يحتلها آخرون"، مشيدًا بشجاعة الشعب الفلسطينى وعزم العالم العربى على مقاومة عمليات نقل السكان القسرية.
ارتفاع حصيلة القتلى المدنيين وسط الحصار
تدهور الوضع فى غزة بشكل كبير، حيث تشير التقارير إلى أن عمليات تسليم المساعدات انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ بداية الصراع. وأشار غوتيريش إلى الحاجة الماسة للتدخل الدولى لمنع ما وصفه بالتطهير العرقى الوشيك.
وأكد: "سنبذل كل ما فى وسعنا لمساعدتهم على البقاء هناك وتجنب التطهير العرقى الذى قد يحدث إذا لم يكن هناك تصميم قوى من المجتمع الدولي".
وعزز وزير الخارجية الأردنى أيمن الصفدى هذا الشعور، مدعيا أن التطهير العرقى يحدث بالفعل فى غزة. وقد ردد هذا الشعور العديد من القادة العالميين، بما فى ذلك المسئولون الأمريكيون الذين وصفوا الهجمات الأخيرة بأنها "مروعة".
الاحتجاج العالمى والدعوات إلى التحرك
تصاعدت الإدانة الدولية ردا على التفجيرات، وخاصة فيما يتعلق بالحادث فى بيت لاهيا. ووصفت الولايات المتحدة الهجوم بأنه "مروع"، فى حين أدانت وزارة الخارجية الفرنسية الضربات الإسرائيلية على المستشفيات، داعية إلى إنهاء الحصار المفروض على شمال غزة على الفور.
وفى ضوء الأزمة الإنسانية المتفاقمة، أقرت قوات الدفاع الإسرائيلية بتقارير عن سقوط ضحايا مدنيين، وذكرت أنها تحقق فى الحوادث.
ومع ذلك، حث وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف غالانت قوات الدفاع الإسرائيلية على مواصلة الضغط العسكرى على حماس، مؤكدا على إعادة الرهائن الإسرائيليين كأولوية.
فى الوقت نفسه؛ تصاعد الصراع خارج غزة، مع استهداف الغارات الجوية الإسرائيلية لمواقع حزب الله فى لبنان. وقد أسفرت هذه الإجراءات عن سقوط ضحايا مدنيين فى لبنان، مما أثار المزيد من المخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي.
تفاقم الأزمة الإنسانية
مع استمرار العنف دون هوادة، وصل الوضع الإنسانى فى غزة إلى مستويات كارثية. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، لا يزال اثنان فقط من أصل عشرين نقطة خدمة صحية تعمل جزئيا، مما يعوق بشدة المساعدات الطبية.
وسلط فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى (الأونروا)، الضوء على الظروف المزرية، قائلا: "حتى عندما ننظر إلى وجوه الأطفال فى غزة، الذين نعرف أن بعضهم سيموت غدا، فإن النظام الدولى القائم على القواعد ينهار".
وقد أشارت الأمم المتحدة إلى أن ١.٧ مليون شخص - يمثلون ٨٠٪ من سكان غزة - لم يتلقوا حصصًا غذائية أساسية بسبب نقص الإمدادات الحرج. ترسم هذه الإحصائيات صورة قاتمة للأزمة الإنسانية التى تفاقمت بسبب الأعمال العسكرية وبيئة المساعدات المتوترة بشكل متزايد.
التحديات التشريعية المقبلة
فى خطوة مثيرة للجدل، صوتت الكنيست الإسرائيلى على حظر عمليات الأونروا فى البلاد فى غضون ثلاثة أشهر، متحدية النداءات العالمية لمواصلة المساعدات الإنسانية.
وقد يؤدى هذا القرار إلى إعاقة جهود توزيع المساعدات فى كل من غزة والضفة الغربية، مما يؤدى إلى تعقيد الوضع المتدهور بالفعل.
نداء للوحدة والعمل
مع استمرار ارتفاع حصيلة القتلى المدنيين وتدهور الوضع الإنسانى فى غزة، أصبحت دعوة غوتيريش للتدخل الدولى ملحة بشكل متزايد.
وفى غياب استجابة عالمية منسقة، يلوح احتمال التطهير العرقى فى الأفق، مما يهدد ليس فقط حياة أولئك فى غزة ولكن أيضًا النسيج الأوسع للقانون الإنسانى الدولى والمعايير.
يواجه المجتمع الدولى لحظة حاسمة، يجب عليه أن يتحد ضد الفظائع التى تحدث فى غزة، وأن يتخذ إجراءات حاسمة لضمان احترام المبادئ الإنسانية وحماية حقوق وأرواح الشعب الفلسطيني.
الولايات المتحدة تعترف!!
وفى كشف مذهل؛ حدد مسئولون فى وزارة الخارجية الأمريكية ما يقرب من ٥٠٠ حادثة من الأذى الذى يلحق بالمدنيين فى غزة باستخدام أسلحة قدمتها الولايات المتحدة منذ اندلاع العدوان الحالى فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
وعلى الرغم من الطبيعة الخطيرة لهذه الحوادث - والتى قد يشكل بعضها انتهاكات للقانون الإنسانى الدولى - لم تتخذ الحكومة الأمريكية أى إجراء بشأن أى من هذه الحالات. تأتى هذه المعلومات من مصادر متعددة، بما فى ذلك مسؤول أمريكى مطلع على التقييمات الجارية.
يتم تتبع الحوادث من خلال إرشادات الاستجابة لحوادث الأذى المدنى التابعة لوزارة الخارجية (CHIRG)، والتى تم إنشاؤها فى أغسطس ٢٠٢٣ لتقييم استخدام الأسلحة الأمريكية بشكل منهجى فى الصراعات على مستوى العالم.
وتعتمد هذه الآلية الرسمية على مجموعة متنوعة من المصادر، بما فى ذلك التقارير الإعلامية، ومدخلات المجتمع المدني، والاتصالات مع الحكومات الأجنبية.
الافتقار إلى المساءلة
تتكون عملية الاستجابة لحوادث الأذى المدنى التابعة لوزارة الخارجية من ثلاث مراحل رئيسية: تحليل الحادث، وتقييم تأثير السياسة، والعمل المنسق للوزارة. ووفقًا لمسئول أمريكى سابق، لم يتقدم أى من حوادث غزة إلى المرحلة الثالثة.
حيث يمكن أن تشمل الإجراءات المحتملة العمل مع الحكومة الإسرائيلية للتخفيف من الضرر، أو تعليق تراخيص تصدير الأسلحة، أو حجب الموافقات المستقبلية. أثار الافتقار إلى التحرك عبر هذه المراحل مخاوف بشأن كفاية ردود الولايات المتحدة على الانتهاكات المبلغ عنها والتى تنطوى على أسلحتها.
وأقر المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر بالتعقيدات التى ينطوى عليها تقييم الحوادث الفردية؛ مصرحًا: "نحن نجرى هذه التحقيقات، ونجريها بدقة، ونجريها بقوة".
ومع ذلك، أكد "ميلر" أهمية عدم التسرع فى التوصل إلى استنتاجات؛ مشددًا على تحديات تحقيق تقييم نهائى لامتثال إسرائيل للقانون الدولى فى الصراع الجاري.
آراء الخبراء حول تقاعس الولايات المتحدة
أعرب المنتقدون عن مخاوفهم بشأن نهج إدارة بايدن فى التحقيق فى الانتهاكات المحتملة. وأشار جون رامينج تشابيل، المستشار القانونى فى مركز المدنيين فى الصراع، إلى أن "حكومة الولايات المتحدة لم تبذل ما يكفى من الجهد للتحقيق فى كيفية استخدام الجيش الإسرائيلى للأسلحة المصنعة فى الولايات المتحدة والتى يدفع ثمنها دافعو الضرائب الأمريكيون".
ويؤكد هذا البيان على المشاعر المتنامية بين جماعات المناصرة التى تدعو إلى مزيد من المساءلة والتدقيق فى الدعم العسكرى الأمريكي.
وأشار مسئول أمريكى آخر إلى أن السفارة الأمريكية فى القدس أثارت عدة حوادث مع السلطات الإسرائيلية كجزء من عملية مجموعة عمل المدنيين فى الصراع.
ومع ذلك، فإن الآلية لا تقتصر على فحص الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي؛ بل إنها تقيم أيضا أى حادث يؤدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين حيث تكون الأسلحة الأمريكية متورطة.
وتهدف هذه المراجعة الشاملة إلى تحديد ما إذا كان من الممكن تجنب هذه الحوادث أو التخفيف منها.
أزمة إنسانية متصاعدة
كانت حصيلة القتلى المدنيين فى غزة مذهلة، حيث أفادت التقارير بمقتل أكثر من ٤٣ ألف فلسطينى منذ اشتعال الصراع من جديد، وفقا للسلطات الصحية فى المنطقة.
لقد اندلعت أعمال العنف الحالية بسبب هجوم مفاجئ شنه حماس على جنوب إسرائيل فى السابع من أكتوبر.
مع تصاعد الأزمة الإنسانية، أصبحت الأسئلة المحيطة بدور الولايات المتحدة ومسؤوليتها فى الصراع أكثر إلحاحًا. تطالب جماعات المناصرة الولايات المتحدة بتولى دور أكثر نشاطًا فى التدقيق فى مساعداتها العسكرية وعواقبها على السكان المدنيين فى مناطق الصراع.
دعوة إلى المساءلة
إن تحديد ٥٠٠ حادث محتمل لإلحاق الضرر بالمدنيين باستخدام الأسلحة الأمريكية فى غزة يسلط الضوء على فجوة كبيرة فى المساءلة والرقابة. ومع استمرار إدارة بايدن فى التعامل مع علاقتها بإسرائيل، تتزايد الضغوط من أجل تقييم أكثر شفافية ودقة لعواقب الدعم العسكرى الأمريكي.
فى أعقاب الخسائر المدنية غير المسبوقة، يراقب المجتمع الدولى عن كثب. إن الدعوات إلى التحرك تتزايد، وتحث الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها بالمعايير الإنسانية الدولية وضمان عدم مساهمة أسلحتها فى المزيد من المعاناة الإنسانية.
وتتردد أصداء عواقب التقاعس عن العمل إلى ما هو أبعد من غزة، مما يؤثر على مصداقية الولايات المتحدة على الساحة العالمية.
0 تعليق