تاريخ مشرف وحافل لكلا الشهيدين القادئدين في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الحاج عبد العزيز الميناوي (أبو السعيد) والحاج رسمي أبو عيسى (أبو عصام) الذين استشهدا إثر العدوان الصهيوني الغادر على مقر الأمانة العامة للحركة في العاصمة السورية الخميس الماضي.
عرف الرجلان بما لديهما من فكر وعمل وإخلاص في العمل الجهادي والسياسي طوال مسيرتهما النضالية حتى لحظة استشهادهما وهما على رأس عملهما في مقر الحركة بدمشق.
يعتبر الميناوي من الرعيل الأول لحركة الجهاد الاسلامي ومن الجيل المعاصر للشهيد المؤسس فتحي الشقاقي، ويعتبره أبناء الحركة من القادة التاريخيين لما له من رجاحة رأي وصواب رؤية طوال عمله، ولد في غزة – فلسطين 1945 أي ما قبل النكبة فهو أكبر من الاحتلال زمنياً وإيمانياً وعقائدياً.
الميناوي واحد ممن يكن له جميع المناضلين والسياسيين احتراماً كبيراً لما لديه ليس فقط من تاريخ نضالي إنما أيضا لما لديه من تجارب وفكر سياسي تمكنه من الخوض في جميع المراحل والظروف، رجل حضر كل الحروب التي مرت على فلسطين منذ النكبة وخاضها. ومعروف بمواقفه الحازمة ضد الكيان الصهيوني.
الحاج أبو السعيد الميناوي هاجر في العام 1967، مع عائلته إلى السعودية بفعل الظروف السياسية آنذاك. لاحقًا، انخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أثناء تواجده في الأردن في العام 1968. ومع اشتداد نيران المقاومة، قرر العودة إلى قطاع غزة حيث انخرط في الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشارك في عمليات عسكرية عديدة جريئة.
في العام 1970، اعتقل الميناوي من قبل الاحتلال الصهيوني، وحكم عليه بالسجن المؤبد مرات عدة. خلال فترة اعتقاله التي استمرت حتى العام 1985، شكلت سجون العدو محطة مفصلية في حياته، حيث التحق بصفوف الحركة الإسلامية وتعمق في الفكر الإسلامي المقاوم.
أُفرج عنه في العام 1985 ضمن صفقة تبادل الأسرى الشهيرة التي عرفت باسم “عملية النورس”، التي قادتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة. بعد خروجه من الأسر، استأنف نشاطه الوطني، وفي العام 1992 التقى بالشهيد الدكتور المؤسس فتحي الشقاقي، فكان بداية انضمامه إلى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. شغل الميناوي مناصب قيادية عدّة في الحركة، كان أبرزها مسؤوليته عن الدائرة الثقافية، ولعب دورًا بارزًا في التوعية السياسية والفكرية، كما كان عضواً في المكتب السياسي للحركة حتى العام 2023.
رسمي أبو عيسى القائد السياسي البارز صفوف حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين
استضاف موقع قناة المنار عدة مرات الشهيد رسمي أبو عيسى وهو مسؤول العلاقات العربية في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وكان لمراسل الموقع شرف اللقاء به طوال هذه المرات، رجل لم يكن عادياً بل كان شخصاً ذو رؤية سياسية ثاقبة، وتمتع بالكثير من الصفات الوطنية، التي تظهر ملامحها واضحة من خلال ما كان يدلي به من تصريحات فكرية وسياسية، إضافة لتاريخه النضالي منذ نشأته في ثطاع غزة مسقط رأسه، كذلك ما لديه من جرأة ووضوح بالطرح وأسلوب الطرح.
سجل موقع قناة المنار العديد من المواقف للشهيد رسمي أبو عيسى، كان أبرزها ما يجيده من قراءة سياسية للمشهد بشكل عام، وخاصة ما مر خلال فترة طوفان الأقصى منذ انطلاق المعركة وحتى يوم استشهاده. فهو يعلم تماماً كيف يقرأ خبايا ما يطرح على الطاولة وما يأتي به الميدان من أخبار لوقائع مقارعة العدو، فالشهيد يؤمن تماماً بالميدان وما يصنعه على الصعيد الوطني والسياسي كما بقية كوادر وقادة محور المقاومة.
رسمي أبو عسيى شهيد على طريق القدس، وضع أولى خطواته في طريق النضال في أول شبابه وبدء تشكل وعيه السياسي، فهو ممن تجاوزو الدخول في سن المراهقة إلى الوعي السياسي والنضالي مباشرة، حيث ولد (أبو عصام)، عام 1972 في قطاع غزة، و نشأ في بيئة وطنية عايشت مراحل النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.
وهو من المؤمنين بخط المقاومة، ودرب الشهادة التي يجلّها ويؤمن تماماً أنها أسمى القيم والأوسمة الإلهية، ودائماً ما يبدأ كلام بالسلام والتحية الإسلامية للشهداء جميعاً.
اتجه أبو عصام إلى الجزائر، حيث درس العلوم السياسية، قبل أن يعود إلى قطاع غزة في العام 1995. عانى من بطش الاحتلال الصهيوني، الذي اعتقله مرتين؛ الأولى بين العامين 1987 و1989، والثانية بين العامين 1994 و1997.
بعد الإفراج عنه، عاد أبو عصام إلى الجزائر لمتابعة تحصيله العلمي، حيث حصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة بن عكنون. ولم تكن مسيرته الأكاديمية منفصلة عن نضاله السياسي، بل أسست لمرحلة جديدة من العمل الوطني.
البداية الواضحة لانخراطه في العمل السياسي
في العام 2006، انتقل رسمي أبو عيسى إلى سورية، حتى العام 2009، قبل أن يعود مجدداً إلى الجزائر في العام 2009، وبقي فيها حتى العام 2018، وتولى خلال هذه الفترة مهمة تمثيل حركة الجهاد الإسلامي في الجزائر. عاد بعدها إلى سوريا، حيث تولى منذ العام 2022 مسؤولية العلاقات العربية في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. ساهم بدور كبير في تعزيز علاقات الحركة مع الأطراف العربية، ما أكسبه احترامًا واسعًا في الأوساط السياسية.
ومن خلال الحديث الدائم كان لأبو عيسى رأي مهم فيما يجري خلال طوفان الأقصى.
رسمي أبو عيسى والإيمان المطلق بالمصلحة الوطنية الجامعة
لم يكن هذا الشهيد مجرد قيادياً في حركة للمقاومة إنما كان عنده إيمان قوي بالمصلحة الوطنية الجامعة، والوحدة الوطنية والترابط بين كل أبناء الشعب الفلسطيني، فمن خلال الأحاديث معه في المجالس العادية أو المغلقة أو حتى تحت الهواء خلال التحصير لأي لقاء في أي مناسبة أو حدث جديد، يظهر النفس الوطني ولا يبدي الانتماء الحزبي على المصلة الوطنية، يؤمن أن لكل طرف من أطراف المقاومة دور وجزئية مكملة في النسيج الوطني الفلسطيني. فالوعي السياسي الذي تشكل عند الشهيد رسمي أبو عيسى كان الدور الوثيق في تكوين هذه القناعة وهذا الإيمان بالوحدة الوطنية.
في حديثه الأخير لموقع المنار وصية الشهيد
في الذكرة السنوية الأولى تحدث لموقع قنا المنار بطريقة مهمة كان له الكثير من النقاط التي جاءت عن معايشته اللحظية لأحداث الطوفان والعدوان على قطاع غزة، وهذا ما انعكس من كلامه صدىً كبير تشكل وكأنه وصية نابعة عن إدراكه للميدان ومخرجاته وتأثيره عن مجريات الحرب الدائرة، إضافة لتأثيره على المشهد الداخلي للكيان الصهيوني.
المصدر: موقع المنار