أزمة كبيرة تشهدها السينما المصرية هذه الأيام بعد استمرار تأجيل عرض فيلم "المُلحد" رغم الانتهاء من تصويره وحصوله على جميع التصاريح الفنية المطلوبة.
لماذا لم يُعرض الفيلم حتى الآن؟ وما قصة الدعاوى القضائية التي تُلاحقه رغم أن الجمهور لم يشاهده بعد؟
سجال قضائي
كان مقررًا أن يُعرض فيلم "الملحد" بجميع دور العرض المصرية في أغسطس الماضي، لكن وقبل ساعاتٍ من إطلاقه مُنع من العرض بشكلٍ مباغت، وهو ما دفع مخرجه محمد العدل للتصريح حينها قائلاً "الفكر يتواجه بالفكر مش (ليس) بالمنع".
من وقتها حتى اليوم لم يُعرض الفيلم على الشاشات، وقبل أيام أعلن المحامي الشهير مرتضى منصور إصدار هيئة مفوضي الدولة "توصية" لصالحه في الدعوى التي أقامها بمحكمة القضاء الإداري واختصم فيها صنّاع العمل ووزير الثقافة للمطالبة بإلغاء الترخيص الصادر لعرض الفيلم.
وبحسب التقرير الصادر عن مفوضي الدولة فإنه بما أن قصة الفيلم تدور حول "شأن إسلامي" لذا فإن الرقابة على المصنفات تكون "مُلزمة بأخذ رأي الأزهر بشأن الفيلم" وهو مالم يحدث، لذا اعتبرها التقرير مبررًا كافيًا لإلغاء الترخيص.
ولم يكن منصور المحامي الوحيد الذي تقدّم بدعوى للمطالبة بمنع عرض الفيلم وإنما لحق به آخرون قاموا بنفس الخطوات وطالبوا بنفس المطالب.
وعلى الجهة الأخرى واجهت هذه الدعاوى قضية معاكسة رفعها المحامي هاني سامح يتصدّى فيها لمطالبات المنع ويُطالب فيها بـ"حرية عرض الفيلم" ومحاسبة المتسببين عن عدم عرض الفيلم في موعده.
ويقول سامح لـ"الحرة"، إنه تقدّم بدعوى قضائية يُطالب فيها بإلغاء القرار الصادر بالامتناع عن عرض الفيلم بدعوى أن جهة الاختصاص الوحيدة فيما يخصُّ الرقابة على الأفلام هي الرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة، التي سبَق أن أصدرت قرارًا واضحًا بالموافقة على الفيلم.
وبحسب سامح فإن جميع الدعاوى القضائية الخاصة بعرض الفيلم، أو منعه، سيُبتُّ في أمرها يوم 24 نوفمبر المقبل، وفيما يخصُّ تقرير هيئة مفوضي مجلس الدولة الصادر بمنع العمل، أكد المحامي المصري أنه "تقرير استشاري غير ملزم بإمكان المحكمة عدم الالتزام به".
وتابع سامح أن مثل هذه الآراء مخالفة للدستور والقانون لأنها تفرض وصاية لجهة دينية وهي الأزهر على الأعمال الفنية بينما الجهة الوحيدة التي يحقُّ لها البت في هذا الأمر هي الرقابة على المصنفات وحدها، وهو أمر يشكّل انتهاكًا جسيمًا لحرية الإبداع.
وفيما يتعلق بجدوى الملاحقة القضائية لفيلم لم يُعرض بعد ولم يشاهده أحد، وصف سامح هذه الممارسات بأنها "هجمة من طيور الظلام".
سيناريو الفيلم
بحسب مصدر مقرّب من شركة الإنتاج اطلع موقع "الحرة" على جزءٍ من سيناريو الفيلم الذي تضمّن رحلة معاناة البطل يحيى الذي يعيش شكوكًا في إيمانه بعكس حياة التزمت والتشدد التي يعيشها والده ومثّلت له قناعات ابنه المختلفة عنه صدمة كبرى ويبدأ في محاولاته للعدول عن هذا الأمر عبر الخضوع لجلسات "استتابة" مع عددٍ من الشيوخ.
يحسب الفيلم فإن والد البطل هو الشيخ حافظ ذي القناعات الدينية المتشددة والمنتسب لجماعة من الأفراد الذين يحاولون تطبيق "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" عنوةً على المجتمع فيجلد أحد جيران لشُربه الخمر ويهاجم شقة امرأة أخرى غير محجبة معتقدًا أنها تستضيف رجالاً في شقتها حتى أنه هدّد ابنه بالقتل لو لم يتراجع عن معتقداته، ثم تتوالى الأحداث.
صنّاع العمل
"معرفش أي حاجة عن تأجيل الفيلم مجددًا"، هكذا بدأ أحمد السبكي منتج الفيلم حديثه لـ"الحرة".
وكشف السبكي أن الفيلم به "مشكلة في الصوت" يجري العمل على حلها، وأضاف أن العمل لم يواجه أي مشكلة في الرقابة بعدما حصل منها على جميع التصاريح اللازمة لذلك.
وتابع: "أنا لو عندي مشكلة في الرقابة مكنتش هقدر أعمل الدعاية بتاعته في الشارع".
ومن جانبه قال أحد أبطال العمل، الفنان محمود حميدة، إنه لا يفهم سبب عدم عرض الفيلم حتى الآن.
وتابع حميدة لـ"الحرة"، إن المنتج حصل على التصاريح المطلوبة منذ يناير الماضي وبعد الانتهاء منه حصلت ضجة كبرى، ويضيف: "حد منعه، لا محدش مانعه، معنديش فكرة".
الأمر نفسه أكده مصدر مقرّب من الرقابة على المصنفات الذي أكد أن موقفها من العمل انتهى منذ منحه الموافقة اللازمة بعدها فإن أعضاءها يقرأون الأخبار عن المنع "مثلهم مثل باقي الناس".
وبحسب المصدر فإن الرقابة لا تفهم المشكلة الحقيقية لمنع الفيلم، رغم أنها منحته جميع التصاريح اللازمة.
وخلال الجلسة المخصصة لتكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وجّهَ المخرج يسري نصر الله انتقادات كبيرة لمنع عرض الفيلم، مطالبًا بمنح عملية الموافقة على الأفلام "حصانة".
وقال نصر الله إنه فوجئ بأن الأزهر دخل على خط الأزمة بعدما أصبح مطالبًا بالحصول على موافقته أولاً، ثم كشف أن الدعاوى القضائية لم تُلاحق صنّاع العمل فقط وإنما هيئة الرقابة أيضًا، موضحًا "كدا رئيس الرقابة مهدد بالسجن لأنه منح الفيلم التصريح، كدا الرقابة لن تكون محصنة لا هي ولا الأفلام التي توافق عليها، ودي مشكلة كبيرة".