ويعود تاريخ بدء انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي لقادة دول وحكومات منظمة التعاون الإسلامي إلى سبتمبر عام 1969م، حيث عقدت في العاصمة المغربية الرباط؛ تلبية لدعوة الملك الحسن الثاني -رحمه الله- إثر المحاولة الآثمة لحرق المسجد الأقصى المبارك، وتلبية للنداء الذي وجهه الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- وكان من ثمرات هذا المؤتمر قيام منظمة المؤتمر الإسلامي.
وطبقًا لميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي الذي وقّع في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية 1972م، من قبل ممثلي الدول المؤسسة وعددها -آنذاك- ثلاثون دولة إسلامية، فإن مؤتمر الملوك والرؤساء هو الجهاز الأعلى للمنظمة، ويعقد كل ثلاث سنوات أو كلما تقتضي مصلحة الأمة الإسلامية؛ للنظر في القضايا العليا التي تهم العالم الإسلامي وتنسيق سياسة المنظمة تبعًا لذلك.وعقدت المنظمة منذ بدء أول اجتماع لها أربع عشرة قمة إسلامية، إضافة إلى اجتماعاتها الاستثنائية والطارئة، التي تصل إلى أكثر من 20 اجتماعًا لوزراء خارجية الدول الأعضاء.
وفي سياق ذي صلة، عقد في 18 أكتوبر الماضي بمدينة جدة اجتماع استثنائي عاجل مفتوح العضوية للجنة التنفيذية لوزراء خارجية الدول الأعضاء؛ لبحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وأكدت جميع القرارات الصادرة عن منظمة التعاون الإسلامي بشأن قضية فلسطين ومدينة القدس الشريف، وجددت التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية للأمة الإسلامية جمعاء، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.
ودعت المنظمة في بيانها الختامي إلى الوقف الفوري للعدوان الهمجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والرفع الفوري للحصار المفروض على القطاع، مؤكدة إدانتها الشديدة لما يتعرض له المدنيون في قطاع غزة المحاصر وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحمّلت إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال المسؤولية الكاملة عن مصير المدنيين في قطاع غزة، وما يتعرضون له من مأساة حقيقية تحت القصف والحصار والتجويع، مؤكدة رفضها القاطع دعوات تهجير سكان قطاع غزة، وحذرت من تصاعد اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي وإرهاب المستوطنين المدعوم بالسلاح، والحماية من قوات الاحتلال في القدس الشريف والضفة الغربية، مشددة على ضرورة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، بما يتوافق مع معايير القانون الإنساني الدولي.
ونظرًا لأهمية "القضية الفلسطينية" في العالم الإسلامي التي أسست المنظمة من أجلها، فقد كانت عُنوانًا رئيسًا لعدد من القمم العادية والاستثنائية والطارئة، حيث عقد مؤتمر القمة الإسلامي الثاني في مدينة لاهـور بجمهورية باكستان الإسلامية في فبراير 1974م، وسجل بيانه الختامي التقدير والاعتزاز للتضحيات البطولية التي قدمها الشعب الفلسطيني ودول المواجهة العربية التي تجابه المعتدي الصهيوني.
وشهدت مكة المكرمة في يناير 1981م عقد قمة إسلامية تحت شعار "دورة فلسطين والقدس الشريف"، فيما استضافت الدار البيضاء في المملكة المغربية القمة الإسلامية الرابعة في يناير 1984م.
واستضافت الكويت مؤتمر القمة الإسلامي الخامس في يناير1987م، الذي اعتمد قرارًا يؤكد أن فلسطين هي جوهر الصراع العربي - الإسرائيلي، وأن السلام العادل والشامل في المنطقة لا يمكن أن يقوم إلا على أساس انسحاب العدو الصهيوني الكامل وغير المشروط من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة فوق ترابه الوطني.
وكان عنوان مؤتمر القمة الإسلامية السادس المنعقد في ديسمبر 1991م بالعاصمة السنغالية دكار "دورة القدس الشريف والوئام والوحدة"، الذي أكد أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين الأولى، وجوهر النزاع العربي - الإسرائيلي، فيما استضافت الدار البيضاء في المملكة المغربية القمة الإسلامية السابعة في ديسمبر 1994م.
وأكدت الدورة الثامنة لمؤتمر القمة الإسلامي التي أقيمت بطهران في ديسمبر 1997م أن قضية فلسطين والقدس الشريف قضية المسلمين الأولى، معربة عن تضامنها الكامل مع منظمة التحرير الفلسطينية في نضالها العادل من أجل تحقيق الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرض وطنه وعاصمتها القدس الشريف.
وعقد مؤتمر القمة الإسلامية التاسع في دولة قطر نوفمبر 2000م، وفي مايو 2001م عقد وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي مؤتمرًا إسلاميًا طارئًا في الدوحة، صدر عنه بيان حيّا فيه انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا دعمه ومساندته وتأييده السياسي والمادي للصمود الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وعاود المؤتمر انعقاده في ديسمبر 2001م على مستوى وزراء الخارجية للدول الأعضاء في الدوحة، أدان فيه قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المدن والقرى والمخيمات ومقرات السلطة الفلسطينية.
وأكدت الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في بوترا جايا بماليزيا أكتوبر 2003م ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وضرورة تطبيق جميع القرارات الدولية المتعلقة بقضية فلسطين، فيما استضافت دكار في جمهورية السنغال مؤتمر القمة الإسلامية الحادي عشر في مارس 2008م.
واستضافت القاهرة في جمهورية مصر العربية فبراير 2013م القمة الثانية عشرة تحت شعار "دورة العالم الإسلامي: تحديات جديدة وفرص متنامية".
وصدر عن الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك أكتوبر 2015م قرارًا يؤكد السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية، ورفض الأمة الإسلامية وإدانتها إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتصميمها على منع الإجراءات الإسرائيلية وإبطالها؛ لكونها إجراءات باطلة ومدانة وغير قانونية وتنتهك القانون الدولي والمواثيق والقرارات الدولية.
وأقيمت القمة الإسلامية الثالثة عشرة في أسطنبول أبريل 2016م بعنوان "الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام".
وفي اجتماع استثنائي لمجلس وزراء خارجية في كوالالمبور 2017م، أُكّد فيه مجددًا مركزية قضية فلسطين بالنسبة للدول الأعضاء في المنظمة، وإدانته المطلقة جميع الأنشطة الاستيطانية غير الشرعية القانونية التي تقوم بها إسرائيل، والإشارة إلى أهمية مركزية مدينة القدس الشريف وطابعها الديني والروحي.
وشهدت إسطنبول في ديسمبر 2017م عقد قمة إسلامية استثنائية، رفض فيها ملوك ورؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء بيان الإدارة الأمريكية غير القانوني بشأن وضع القدس وإدانته، معلنين أن هذا البيان باطل ولاغٍ من وجهة نظر الضمير والعدالة والتاريخ، شأنه في ذلك شأن قرار إسرائيل ضم القدس وتدابيرها وإجراءاتها هناك، وأكد البيان الختامي الاعتراف بدولة فلسطين، مشددًا على ما تكتسيه مناصرة قضية فلسطين والقدس الشريف من صبغة مركزية بالنسبة للبشرية جمعاء.
ودعت القمة الاستثنائية التي عقدت في إسطنبول مايو 2018م، لإنشاء لجنة خبراء دولية مستقلة للتحقيق في الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد المتظاهرين السلميين العزل في قطاع غزة.
وأكد البيان الختامي أهمية توفير الحماية الدولية للفلسطينيين من خلال إجراءات منها إرسال قوات دولية للحماية، مطالبة مجلس الأمن والجمعية العامة والأمين العام للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان باتخاذ التدابير اللازمة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في الفظاعات التي ارتكبت في قطاع غزة.
وفي سبتمبر 2019م عقد الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية في مقر الأمانة العامة للمنظمة بجدة، بناءً على طلب المملكة العربية السعودية، بشأن "إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي نيته ضم أراض من الضفة الغربية المحتلة"، وجدد المجتمعون الدعم المبدئي للشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية في السعي إلى نيل حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره وإقامة دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة على خطوط 4 يونيو 1967م، وعاصمتها القدس الشريف، وحق العودة للاجئين، وإدانتهم السياسات والممارسات والمخططات الاستعمارية لسلطة الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وشهدت القمة الإسلامية الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي، التي استضافتها مكة المكرمة مايو 2019م، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - حضورًا تاريخيًا بين القمم التي أقامتها المنظمة على مدى تاريخها.
وأكدت القمة مركزية قضية فلسطين، والقدس الشريف بالنسبة للأمة الإسلامية، مجددة دعمها المبدئي والمتواصل على جميع المستويات للشعب الفلسطيني؛ لنيل حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشريف، وضرورة حماية حق العودة للاجئين، ومواجهة أي إنكار لهذه الحقوق بكل قوة.
ولمكانة المملكة الكبيرة في العالم الإسلامي ودورها الريادي منذ تأسيسها في خدمة الإسلام والمسلمين والدفاع عن قضاياهم في كل محفل، واستشعارًا بمسؤوليتها تجاه القضية الفلسطينية، دعت لعقد قمة عربية - إسلامية غير عادية غدًا في الرياض؛ لبحث استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية والجمهورية اللبنانية، وتطورات الأوضاع الراهنة في المنطقة، وهي امتداد للقمة العربية - الإسلامية المشتركة التي عقدت في الرياض العام الماضي.
ودائمًا كانت مواقف منظمة التعاون الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية ثابتة راسخة ولا تزال كذلك، وتناشد في كل محفل المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته وإنهاء النزاع، وأنّ مبادرة السلام العربية بعناصرها كافة وتسلسلها الطبيعي- كما تبنتها مختلف القمم الإسلامية ومجالس وزراء الخارجية المتعاقبة - خيارًا إستراتيجيًا ناجعًا وفرصة تاريخية ومرجعية مشتركة، يجب أن يستند عليها الحل السلمي العادل والشامل للنزاع العربي - الإسرائيلي، وتؤكد تمسكها بالسلام وسيظل خيارًا إستراتيجيًا استنادًا إلى القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية.